من سلسلة الأربعون قبل الأربعين.. الغضب

  • 01 - 02 - 2017
  • 5411
الغــضب عن أمير المؤمنين ( ع ):"واحذَر الغضَب فإنّه جُندٌ عَظيمٌ مِن جُنُودِ إِبليس".



   يعتبر أهلُ العلم والدراية أنَّ إحدى القِوى الفاعلة في النفس هي القوى الغضبية وتُسَّمى القوى السبعية(نسبة إلى السباع)، وهي التي تبعث الى هياج الإنسان وثورته قَولاً أو فعلاً، فتردعُه عن الحق وتوْدي به إلى المهالك.

    وقد شبّهت الروايات حالة الغضب بالجنون، أي الحالة التي يفقد الإنسان فيها عقله، ومتى أقفل العقل أبوابه فتح الشيطان أبواب الولوج إلى النفس، لذا اعتبر الإمام علي(ع) الغضب جُند عظيم من جنود إبليس، حيث تمتنع القوى العقليّة الواعية عن المقاومة فتتسّرب جنود الجهل بدون رادع ويقودُوا الإنسان إلى ما سيندم عليه لاحقاً بدون أن يشعر. لذا كان التحذير كثيراً، حيث جاء أعرابي إلى رسول الله(ص) فسأله:علّمني جوامعَ الكلام، فقال(ص): "آمُركَ أن لا تغضبْ"، فأعادَ الأعرابي عليه المسألة ثلاث مرّات.

   مِن مهدّئات الغضب: الإستعاذة من الشيطان الرجيم، وجلوس الغاضب لو كان قائماً والوضوء أو الغسل بالماء البارد، ومسِّ يد القريب إذد غضب منه. ومن موانع الغضب تنظيم الغذاء والتزام النظافة وممارسة الرياضة والبُعد عن الأماكن التي يعرف أنها ستُغضبه.

   لكن هذا الغضب ككلِّ الخصال يمكن أن يكون ممدوحاً، حين يكون لله، حيثُ يتحوّل المكروه والمحرّم الى مستحب ومحبّب، فحين تغضب دفاعاً عن الحقّ أو المظلوم أو الإنسان أو الدين فإنّك ترتفع إلى مقام القرب من الله. كانت هذه سيرة الرسول الأكرَم(ص) الذي ما كان يغضبُ إلا لله، حيث يصفُهُ الأمير(ع): ما انتصرَ لنفسَه مِن مظلمة حتى ينتهك محارم الله، فيكونُ غضبُه لله تباركَ وتعالى. هذا ما خاطب به الإمام علي(ع) أهلَ مصر حين قال لهم مادِحاً: "..إلى القومِ الذين غضِبُوا لله حين عُصيَ في أرضِه وذهب حقه..." كما أنه يخاطب أبا ذر حين نفاه الحاكم من المدينة: "يا أبا ذر..إنك أنَّما غضِبْتَ لله عزّوجل، فارجُ مَن غضِبْت له"( ). وبنفس الوقت فإنه يقرّع أصحابه لعدم غضبهم:"...وقد ترَونَ عُهُودَ الله منقوضةً فلا تغضَبون...؟! وقد مثَل (ع) أفضل مثال على ذلك حين شتمَهُ إبن ودّ العامري في معركة أُحُد، فلم يقتله الإمام حتى تيقّنَ أنّ غضبه لله فقط، لا لسواه.

   لذا، يجب أن يعرف الشاب أنَّ الغضب من أوثَقِ فُرَصِ الشيطان ليُفسِد عقل المؤمن، فكَم من أصحاب وإخوة لمّدة طويلة قادَهم الغضب في لحظة صغيرة جدّاً إلى التفرّق والمعاداة، لكن لو حدث ذلك فالندم والإعتذار يجب أن يكونا طريقاً مألوفاً للعودة، لأن الشيطانَ يواصِل وسوسَته بعد الغضب ليواصل كيده، ويجب أن يعلمَ الشاب أنَّ الغضبَ يجب أن يُستثمر في الحقِّ كبديل عن الباطل، وذلك هو الفوز المبين.


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

5 قواعد استراتيجية لإنتاج العلم والمعرفة

يمضي الطالب الجامعي ما يقارب 20 سنة في التعلّم، ما بين المدرسة والثانوية والجامعة، وأحيانًا تطول أكثر من ذلك بكثير.
......المزيد

6 رؤساء موساد سابقون: "نحن في مرحلة خطرة لمرض خبيث"

مفاضلة الحكام الصهاينة: ضياع القيم بين اللاأخلاقي والاجرامي ابدى ستة رؤساء سابقين لجهاز لموساد الصهيوني قلقهم على مستقبل الكيان الصهيوني
......المزيد

ثقافة الأشهر الثلاثة (رجب، شعبان وشهر رمضان)

تلتقي برامج التثقيف الاسلامي عند محور مركزي يمثل الدورة الثقافية السنوية الأم التي تتفرع عنها وتتماهى معها كل برامج السنة
......المزيد

الشهادة

الإمام والتحرك السياسي: لقد كابد المسلمون عموماً، والعلويون وشيعة آل البيت الويلات جراء الحكم العباسي المتغطرس، فقد قاسوا ظلم المنصور
......المزيد

إمامة الكاظم (عليه السلام): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل

إمامة "الكاظم" (ع): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل(1) لقد كانت حياة موسى بن جعفر عليه السلام المليئة بالأحداث؛ حياةً مليئةً
......المزيد

إطلالة عامة على حياة الإمام الكاظم عليه السلام

شخصية الإمام الكاظم عليه السلام: ولد أبو الحسن موسى عليه السلام في الأبواء بين مكة والمدينة في يوم الأحد السابع
......المزيد

رؤية الإمام قدس سره في خصوص تنصيب الولي الفقيه

يظهر من بعض الكتابات الفقهيّة للإمام أنّ الوليّ الفقيه يتمّ تنصيبه من قِبَلِ الشارع المقدّس. حيث يعتقد الإمام أنّ الولاية
......المزيد

الجمع بين رؤيتي الإمام الخميني قدس سره

قد يخطر لبعضٍ، وفي الوهلة الأولى، وجود تناقض بين رؤيتي الإمام المتقدّمتَين. ومن هنا حاول بعض المحقّقين في آثار الإمام
......المزيد