النانوميديا الصحافة وآفاق النانو إعلام في متغيرات العصر دراسة بحثية في تكنولوجيا الإعلام

  • نشره :

  • 17 - 02 - 2014
  • 11817
  • /
  • بحوث ودراسات /
  • النانوميديا الصحافة وآفاق النانو إعلام في متغيرات العصر دراسة بحثية في تكنولوجيا الإعلام
بسم الله الرحمن الرحيم لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. صدق الله العظيم - الحج54

مقدمة:

  قد تبدو الأحداث بريئة وما نشاهد في القنوات الإعلامية، وقد تبدو التطلعات زائفة مع زحمة البيانات والنتائج التي تطفو على المشهد الإعلامي، إزاء ضعف ووهن المجتمعات النائمة في غفوة الحلم والأمل الخادع، في رسم مستقبل وردي، وقد يبدو التشاؤم صريح مع ما تطرحه الوقائع، وقد تبدو مزيد من الإخفاقات طبيعية، وما تحققه الدول المتقدمة في سحق الشعوب الضعيفة ومنها العربية، التي بانت لا حول ولا قوة، لتجردها من الأذرع الإعلامية الفائقة، وضعف قدراتها الاتصالية والتكنولوجية عموما، ويذكر قوة التكنولوجيا وسيطرتها المنظر جو اوين في كتابه وفاة الإدارة ( تمنحك التكنولوجيا - إن صاحبتها أهداف واضحة تماما - قدرة على السيطرة أعلى وأفضل من أي وقت مضى)[1] وقد بات بديهيا اللحاق بالركب أو الهزيمة، وبات ضروريا ان نواكب مع ما يحدث في العالم، وإلا فان ديمقراطيات جديدة من نوع خاص تلوح في الأفق، لتحل بالمجتمعات التي لا ترتقي التكنولوجيا المتقدمة، ولا تواكب الأحداث عبر وسائلها الإعلامية، لتأتي ديمقراطية قمعية زائفة تسحق الشعوب بدعم ومصادقة من مؤسسات إرهابية كبرى تحت مسميات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي التي تطلق العنان للدول الجائرة والظالمة في سحق الشعوب المسكينة التي لا تملك الوسيلة أو التكنولوجيا ولا تدرك الإعلام ودوره، فهناك تغيرات عدة حدثت ولا زالت تحدث في مجالات الإعلام والفكر الاتصالي العام، مع ثورات التكنولوجيا التي تأتي بمفاهيم يفترض أنها تزاحم المفاهيم السالفة، كما هو ما يحدث مع الدول المتطورة التي تتعاط مع التقدم والتقدم التكنولوجي، على العكس من بعض الدول غير المتقدمة ومنها المجتمعات العربية المتعارف بأنها تخسر وكالعادة مرتين، المرة الأولى في مكابراتها الجاهلية، حيث تكابر ظناً منها التحدي والانتصار، فترفض أي تناول أو تعاطي مع التكنولوجيا الحديثة، بحجج وبراهين واهية لا تستحق الذكر، فتتغيب عن الركب العالمي، والمرة الثانية أنها تخسر عندما ترضى وترضخ للواقع بعد مكابراتها بالاعتماد أو التعاطي مع التكنولوجيا الجديدة، فتتعامل بوقت متأخر، لتستحدث تكنولوجيا أكثر تطورا مما كانت عليها التكنولوجيا التي كابرت معها الدول غير المتقدمة، وهذا الأمر ينطبق ليس فحسب مع مجالات التكنولوجيا الصناعية أو الاتصالية، بل يحدث مع مرافق الحياة الشرقية عموما، لذا نجد أن نظريات ومفاهيم أكل الزمان عليها وشرب متأصلة في اغلب أروقة المؤسسات الإعلامية، التي لا تتوسم التكنولوجيا كأساس علمي في تقدمها أو تطورها، بل تفرض مفاهيمها الخاصة إن لم تكن الشخصية، ليتمرد المهيمنين والمتجبرين في سطوة الحكومة الإعلامية، على كل تقدم وتطوير، خوفا على مناصبهم الإدارية وخوفا من ذات التكنولوجيا التي  ستعريتهم أمام المجتمع، حتى تراوح الحكومات في حدود ضيقة جدا، كي تصارع وتقاتل من يحاول أن يفرض أو يستعرض المفاهيم الجديدة، لنكتشف أن تزمتهم بالأفكار العتيقة قد خلق متاحف ومعارض وأرشيف متأصل بأطلالهم مع طروحاتهم القديمة والغابرة التي يكابرون بها على أنهم الأفضل وآلافهم وألاحكم، ففي مطالعة بسيطة لطروحات بعض المنظرين في الإعلام غير المتقدم، نجد كما هائلا من البديهيات الساذجة والبدائية تتصدر تطلعاتهم ومفاهيمهم للإعلام، بالوقت أن ثورات وثورات قد حلت للفكر الإعلامي دون أي ذكر لها.

   التمعن الجاد في التحولات الجذرية لمفاهيم الإعلام، يحتم علينا أن نقر ونعترف بأننا بعيدين عما يحدث في العالم، ففي الوقت الذي ظهر فيه كم هائل من المعدات والتقنيات في الوسائط الإعلامية، نجد التركيز يراوح على فكر ومفهوم الصحافة فقط كإعلام شامل، بالوقت أن الصحافة، لا يمكن على الإطلاق أن تكون بمثابة الشامل للإعلام، لنجد ممن لا يفقهون إلا بالصحافة يصادرون الحقيقة ويظللونها، بإصرارهم على الصحافة فحسب من أنها الإعلام الشامل، والواقع أن الانصياع لمجابهة أولئك يعد حماقة بعينها في مجتمع فرض عليه الجلادون وضباط المخابرات والبوليس السري[2]، لذا لا يمكن مجابهة هؤلاء أو مناطحتهم، لا خوفا أو رهبة فحسب، بل لتجنب ذات الحماقة في مواجهتهم العقيمة، وبكل الأحوال هم زائلون عاجلا أم آجلا، كون أن التقنيات الحديثة كفيلة بتعريتهم وفضح ضحالتهم وجهلهم، لذلك فان بحثنا سيتطلع إلى التكنولوجيا الجادة والى المفاهيم والتغييرات الجادة في مفاهيم الإعلام، وما تحققت من ثورات رافقت وتجاوزت ثورات الترانزستور أو الالكترونكس أو النانو وما بعد النانو ميديا، ويكفي هنا استذكار ما آلت له العقليات المتقدمة في الدول المتقدمة إعلاميا، وطبيعة تفكيرها مع ما يحدث من تطور، لنكتشف مدى التخمة والجدل والمكابرة الحمقاء في مفاهيم الإعلام المتردي، (في عام 1962 نشر تقرير في بريطانيا يقول، أن التلفزيون هو احد العوامل الكبرى الطويلة المدى التي تقوم بتشكيل الاتجاهات الأخلاقية والعقلية، وكذلك القيم الخاصة بالمجتمع. لقد حول ظهور التلفزيون من شكل الميديا وتأثيرها، فقد أدى ظهوره إلى تناقص التأثيرات الخاصة بالسينما والصحف والمجلات والإذاعة " الراديو"، وأصبح هو الوسيط)[3]، وبعد نصف قرن نتأكد بان مكابرتنا ترفض كل ما هو متطور، فبالوقت أن بريطانيا ومنذ نصف قرن تعتبر الإعلام شاملا للسينما والتلفزيون والراديو والصحيفة والمجلة، نجد حتى يومنا هذا، من يصر على أن الصحيفة هي وحدها الإعلام، فيراوح بحدوده الضيقة ويتربع على عرش الصحف، واهما انه النموذج الأول للإعلام، مستعين بنفوذه وعلاقاته السياسية التي تطال مؤسسات قمعية في فرض أفكاره وتوجهاته الرجعية بالإعلام.

  لو تعمقنا على سبيل المثال في نظريات الإعلام الحالية لأغلب المؤسسات الإعلامية، ببعض الدول غير المتقدمة، نجد حصة الصحف لا تزال مهيمنة على فكرها الإعلامي، بالوقت أن بريطانيا اختزلت الإعلام بالـ BBCبي بي سي كقناة فضائية أو كانترنت أو كراديو وتلفزيون، وقلصت صحفها إلى اقل عدد ممكن، فنجد إعلامها تجاوز نظرية الصحيفة فحسب كإعلام شامل، ناهيك عن وسائل اتصالية جديدة في بريطانيا، كاستخدامات الهاتف النقال الـ Black Berryأوالـ Viber[4]أو الشاشات التلفزيونية العملاقة المنتشرة الأماكن العامة، أو الإعلان البوستر المنتشر بكل أروقة وأسوق بريطانيا أو التظاهرات الإعلامية من اتصالات جماهيرية مباشرة عبر حفلاتها الموسيقية التي يصل عدد حضورها وانتشارها إلى الملايين، فمنذ نصف قرن أيقنت بريطانيا أن الصحافة قد انطوت في لواء الإعلام مع قريناتها مثل التلفزيون أو السينما أو الإذاعة كباقي الأرقام الإعلامية التي قد يصل عددها إلى رقم خيالي أمام الصحف، لتتعامل مع الإعلام بوجهة نظر مواكبة مع ما حدث من تطور تكنولوجي في الإعلام، وهذا الأمر ليس مع الإعلام فحسب مع الإعلام، بل مع كافة الدراسات والعلوم، كدراسة الطب الذي يؤكد على التكنولوجيا في عملياته الجراحية أو الطبية، ليختصر الزمن بمعدات تكنولوجية حديثة تساعد الباحث في مجال الطب، على تبني مفاهيم أكثر جدوى وأنجع، بالوقت نجد أن كليات الطب بالدول غير المتقدمة لا تزال تعتمد المناهج القديمة، وكذا الأمر مع مفاهيم الإعلام في الدول غير المتقدمة، فمثلا لا نجد أي دراسات ومناهج مخصصة لدراسة المواقع الالكترونية، لم نجد مناهج لدراسة النانو إعلام أو الديجيتال إعلام، كدراسة تصنيع الإعلام الرقمي، فحتى اليوم يتخرج الطالب من الإعلام ولا يقوى على تصميم "promotion" ترويج لقناة فضائية، أو إطلاق موقع الكتروني أو مونتاج تقرير إخباري تلفزيوني، أو تسجيل صوت لتحقيق تلفزيوني مع تقنيات الديجيتال أو النانو تكنولوجي، التي قامت بتصغير المعدات الإعلامية، بأحجام صغيرة جدا لتقليص فريق العمل الإعلامي إلى عدد بسيط جدا، مقابل الأعداد الكبيرة التي تبدو كأنها جيوش كانت ترافق لنقل حدث إعلامي هام.

 

مشكلة البحث:

  مع تطور العلوم والتكنولوجيا، تحولت العديد من المعدات والوسائل الإعلامية إلى لغة جديدة، تسمى الديجيتال، التي تمكنت من تغيير المواقف الدولية أو التأثير بها، وهذا بفضل التطور والتقدم للتكنولوجيا الإعلامية، (ما قامت به وسائل الإعلام، من تأثيرات هائلة لإسقاط الحكم في بعض الدول العربية، يؤكد من أن هناك جبروت جرار يسحق القوى الهائلة)[5]، إذن انبلجت مفاهيم وتوجهات جديدة، وكأنها لغة جديدة للإعلام، هذه اللغة قزّمت أحجام المعدات وقلصت وزنها وغيرت شكلها جذريا، وكثفت أعداد جيوش الإعلاميين، ليظهر جيل جديد أو تقنية جديدة اسمها النانو، هذه التقنية القزمة أو المجهرية، مع هذه التغيرات الأساسية تغيرت على أثرها السياسات والنظريات، وراحت تطفوا الكثير من المفاهيم، لم تكن موجودة قبل حلول الديجيتال، عمليات التقزيم بلغت حدود غير معقولة وغير منطقية لدى الكثير ممن يعملون في الإعلام غير الرقمي، هذا التقزيم حول العديد من الأنظمة وعكسها في نظام جديد يسمى النانو، التقزيم شمل الـ "soft wear" والـ "hard wear" بمعنى أن التغير شمل المجموع أو الكل، لتظهر لغة جديدة لا يفهمها إلا الناطق بها، وهنا يبين المخرج الكبير محمد خان في كتاب "الإخراج السينمائي- كيف تخرج فيلمك الأول بالديجتال" من إن الأساليب والمفاهيم قد تغيرت مع حلول الديجيتال، وان الكثير من العاملين والفنيين قد تقلصوا مع بروز تقنيات الديجيتال، فهو يقول (علق احد المخرجين القدامى قائلا " بينما الشاعر يحتاج إلى قلم والرسام إلى فرشاة فالمخرج السينمائي يحتاج إلى جيش من الفنيين والفنانين كي يحقق رؤيته"، اليوم ومع ثورة الديجيتال التي اجتاحت جميع مجالات حياتنا، أصبحت الكاميرا الديجيتال بمفردها أداة فريدة للتعبير ...... وهذا ما دفعني إلى تجربتي الشخصية مع الديجيتال في فيلمي الروائي "كليفتي" حين كان جيش الفنيين لا يتعدى العشرة أفراد)[6].

    تعرض العراق إلى هجمة شرسة اسمها الحماقات السياسية، خلفت حروب وحصار واحتلال واحتقان ووباء كره، لينعزل العراق في فترة مفصلية عن العالم، فترة تقدم العالم بها أشواطا وأشواط، فيتأخر العراق عن الركب العلمي الديجيتال، بعدها يصحوا من سباته الطويل عن الديجيتال، فيكتشف أن انعزاله قد حرمه من النانو تكنولوجي، وبحكم أن العراق ولّآد للمبدعين وكما هو معروف، فقد تمكن بعض المبدعين ممن يؤمنون بالتقدم والتطور الفكري والإنساني باللحاق بالركب، الذي فاته العراق من تواكب وتقدم، للأسف قليلون هم، بالمقارنة مع ما تمتلكه الدول المتقدمة من جيوش ديجيتال، إلا أنهم مبدعون ومتميزون، تعاملوا مع النانو في وقت مناسب وأتقنوا الصنعة فيه، لم يتمكنوا من تفقيس أجيال نانو إلا القليل، بسبب المجابهة الحمقاء مع الأجيال التي لا تؤمن بالنانو، ليبقى جزء كبير غير مُدجتَل، أو غير منوّن بالنانو، السؤال يفرض نفسه الآن ليكمن كمشكلة البحث، كيف نتمكن دجتلت[7] اكبر عدد من الإعلاميين ليكونوا مُدجتلين بالديجيتال ومنونين بالنانو؟

 

أهداف البحث:

  يهدف البحث لطرح أسرار النانو تكنولوجي في الإعلام، لتكون محط اهتمام المعنينين والقادة في تحديث الإعلام العراقي، ونقله نحو إعلام موضوعي يلبي حاجات المجتمع العراقي، وفق منظور واسع وشمولي، يتناسب مع حجم حضارته التي يتمتع بها، ويتناسب مع موارده وثرواته البترولية والبشرية والرحمانية[8]، وذلك لمحاولة دجتلة الإعلاميين وتنوينهم بالنانو تكنولوجي.

 

حدود البحث:

  حدود البحث تكمن مع الإعلاميين العراقيين، وضمن المدة التي أعقبت عام 2010، بحكم أنها اتسمت بتطور وتقدم أكثر لتقنيات الاتصال، وهي اقرب ما تكون افتراضية، كونها تتحدد في استخدامات التكنولوجيا الديجيتال في الإعلام للمدة التي تلت ظهور الديجيتال في الإعلام، ووفق حدود الإعلاميين المحترفين في مؤسسات الإعلام الرسمية أو شبه الرسمية.

مفهوم تكنولوجيا النانو "النانو تكنولوجي"

 (NANOTECHNOLOGY- NANOMETERS)

  لا يمكن أن نتحدث عن النانو تكنولوجي دون أن ندرك الديجيتال وآثاره العميقة في الإعلام، كون أن المفاهيم أو النظريات قد تغيرت مع دخول التكنولوجيا الديجيتال التي بالأساس كانت تمهيد لقبول تقنية النانو في الإعلام، وربما يتعسر فهم ذلك على من لا يدرك الديجيتال، وهنا الباحث يؤكد أنها ليست مسئوليته إن لم يواكب القارئ للبحث ما توصلت له التكنولوجيا الديجيتال، أو بالأحرى إن لم يستخدم هذه التقنية كي يعي حجم التغير في الإعلام ووسائله المتعددة، وبالواقع هذا الأمر بات من المسلمات لدى أكثر الجهات الإعلامية في العالم، فكل تفرعات الإعلام بما في ذلك التلفزيون أو الصحافة أو السينما أو المسرح وغيرها، تأثرت تماما بهذه التقنية لتزاولها فيما بعد وفق انسيابية معهودة، من دون أي صدمة أو تعجب لما سيحدث من تطور، فتقنيات ومبادئ وسائل الإعلام تغيرت جذريا مع الديجيتال، وهنا نشير إلى ما ذهبت إليه مديرة المدرسة العربية للسينما والتلفزيون الدكتورة منى الصبان، عندما قالت (بعد الثورة التكنولوجية الرقمية التي اجتاحت عالم السينما والتلفزيون، كان من المتوقع ظهور عدد كبير من الكتب لتؤكد أن طريقة صنع الفيلم والفيديو قد تغيرت تماما[9]).

  قد يسال سائل، أن الديجيتال تكنولوجيا تختلف عن النانو، وللإجابة على هذا السؤال، يؤكد الباحث بانالنانو قد دخل حيز التنفيذ الفعلي مع دخول الديجيتال، حيث أن كلمة نانو من اللغة اليونانية القديمة وتعني قزم "Nanos"، وجزءا من مليار، فكل مائة نانو متر تساوي 1000 أنجستروم، أي أن واحد أنجستروم يساوي 0.1 نانو متر، وان واحد أنجستروم يساوي قطر ذره الهيدروجين، وهو ما يعني أن واحد نانو متريساوي 10 ذرات هيدروجين متراصة بجوار بعض، والواقع أن هذا الأمر يقودنا إلى أن التصغير في الأحجام إنما هو ذاته النانو، وهو ما حدث مع معدات الإعلام منذ سنوات، مع دخول تقنيات الديجيتال في معدات الإعلام، ما يعني أن الديجيتال قد انصب في مجال، ذات مجال النانو في تصغير المواد أو المعدات، ناهيك عن زيادة في دقة وكفاءة العلم، لذا فان أهداف النانو إنما ذات الأهداف أو ذات النوايا لتطوير العلوم والتكنولوجيا، ولا شك أن تكنولوجيا الحواسيب أو الديجيتال، قد تطور بفعل تصغير مكونات الترانزستور أو المعالجات الالكترونية فيه لرفع كفاءة الحاسبة وزيادة سرعتها، وسهولة العمل عليها ومن ثم تخفيض تكاليف صناعتها أو أثمانها، الأمر الذي قاد أن تتحول معدات الإعلام وتصغر مع مفهوم النانو، ليتمكن الإعلامي وعبر تقنياته النانوية أن يحقق مزيد من المكتسبات اثر هذه التقنيات، والواقع أن هذا الأمر إنما يصب في صالح مفهوم التقنيات التي نتعامل معها كإعلاميين، فالحاسب الديجيتال قد طوَر وتطور في آن واحد مع النانو تكنولوجي لصالح العمل الإعلامي، لذا لا يمكن أن نفصل عملنا كإعلاميين من النانو عن الديجيتال، كون أن معداتنا التي نعمل بها في الإعلام قد صغر حجمها وازداد معدل كفاءتها وقل ثمنها، وهذه الأمور تعود إلى فضل النانو الذي احدث الثورات في تغيير المعدات، من هنا كان لزاما أن نتابع ما يتوصل له النانو كي ندرك ما يمكننا أن نطوره في عملنا الإعلامي، فالنانو يحمل الكثير من الإمكانات ما يمكنه أن يحدث التطويرات أو التحديثات، لذا ليس غريبا أن يتغير المستقبل بالكامل مع خفايا تكنولوجيا النانو، بحكم النتائج التي تحققت من النانو تكنولوجي التي تبدو خفية على بعض شعوب العالم حتى هذا اليوم، وكأنها ضرب من الخيال أمام الشعوب المسكينة، التي لا تلهث إلا وراء القال والقيل ووراء تاريخ واهم ومزيف، هاملة بذلك لأهم واخطر تكنولوجيا للعصر، وهي التكنولوجيا التي تتطور بشكل عجيب، وتقفز بوثبات كبيرة جدا، لتوسع الفجوة الديجيتال ما بين الدول التي تمتلكها ومابين تلك الشعوب المسكينة، فكثير من الشعوب تبدو في سبات إزاء تكنولوجيا أساسية وعظيمة جدا، تتسارع الدول العظمى في احتوائها بل وقطعت فيها أشواط كبيرة جدا، كي تتحكم أو تمتلك زمام الأمور لتسيطر وتهيمن من خلال العلوم والتكنولوجيا، ولعل ما ذكره المفكر العراقي حسن السعيد يستحق التأمل، عندما قال في كتابه مرافعات إثارات ومقاربات في الاستقطاب الثقافي (ربما كانت أغراض العلم الجديد تبدو بريئة للوهلة الأولى، لكن هذه البراءة لم تدم طويلا، إذ تحول هذا العلم وبسرعة إلى أداة في يد السلطة، أو السلطات الحاكمة في البلدان الأوربية، التي كانت تشهد مع توسع الانثروبولوجيا توسعا جغرافيا مذهلا)[10]، لذا نجد أن الشعوب النائمة لا تدرك حتى نهاية عام 2012 أهمية العلوم والبحث العلمي عموما والنانو تكنولوجي خصوصا.

  لعل التكنولوجيا التي نتناولها بالبحث من المجالات المحصورة والضيقة في بعض البلدان التي لا تعرف معنى العلوم والتكنولوجيا، وهذه التكنولوجيا تسمى بـ"NANOTECHNOLOGY"، "Nanotech" النانوتوكنولوجي أو تكنولوجيا الـ"NANOMETERS" النانوميتر، والتي يسميها البعض بالتكنولوجيا متناهية الصغر، وهذه التكنولوجيا باختصار جديد عبارة عن تقنيات تصنع على مقياس النانو متر "أصغر وحدة قياس مترية تبلغ واحد من ألف من مليون من المتر" وهو المقياس الذي يستخدمه العلماء عند قياس الذرة والالكترونات التي تدور حول نواة الذرة، حيث تنبأ العديد من العلماء بمستقبل واعد لهذه التقنية، لذا أخذت الدول الصناعية ضخ الملايين من الدولارات بل المليارات لتطويرها، والاستفادة من خدامتها، فتقدّر الميزانية الأمريكية المقدمة لهذا العلم بتريليون دولار حتى عام 2015، كما أن شركات الكمبيوتر الكبرى المهتمة بالبحث العلمي، مثل "هيوليد باكارد" و"آي بي إم" و"ثري أم" تقوم بتخصيص ما يصل إلى ثلث المبالغ المخصصة للبحوث العلمية على التقنية النانوية، مثل زرع آليات دقيقة جدا في أجسادنا تكاد لا ترى بالأعين لها القدرة على أن تسري في الشرايين الدموية بسرعة البرق كميكانيكا جاهزة لإصلاح الإعطاب أو تدمير خلايا السرطان أو الأحجار في الدم[11].

   تتلخص فكرة استخدام تقنية النانو في إعادة ترتيب الذرات التي تتكون منها المواد في وضعها الصحيح، وكلما تغير الترتيب الذري للمادة كلما تغير الناتج منها إلى حد كبير، وبمعنى آخر فإنه يتم تصنيع المنتجات المصنعة من الذرات، وتعتمد خصائص هذه المنتجات على كيفية ترتيب هذه الذرات، فإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الفحم يمكننا الحصول على ألماس، وإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الرمل وأضفنا بعض العناصر يمكننا تصنيع رقائق الكمبيوتر.

   تسعى العديد من المؤسسات المختصة في تفعيل هذه التكنولوجيا واستخدامها بمجالات عدة، فتحاول كبرى شركات الكومبيوتر في العالم استثمار هذه التكنولوجيا، لتحقيق احدث المبتكرات على مستوى العالم، حيث أن الكثير من الشركات بدأت تفكر عمليا بإدخال التكنولوجيا للحاسبات الالكترونية، ولعل التفكير الجديد نوعاً ما عند شركة intel، قد تبلور ونشأ، بحكم الضرورة، بعد أن كادت تتراجع مكانتها إلى المرتبة الثانية مع تقدم تقنيات ومبيعات شركة آي أم دي المنافسة الرئيسة لها، التقنيات الجديدة التي أعلنت عنها شركة انتل تحت اسم "تقنيات النواة" والتي تبني انتل عليها الجيل القادم من المعالجات الدقيقة، حيث ترتكز تقنيات النواة الجديدة من انتل على دقة 65 نانوميتر وستكون أولى التطبيقات لها أجهزة مزوّدة ذات معالجات دقيقة رباعية النواة[12]، وهو ما حدث بالفعل بعد ظهور حاسبات ذات معالج "Quad Core Mobile Processor" مثل  "CORE I 3-5-7  "أو معالجات "Bulldozer - microarchitecture"[13] التي طرحت من "AMD" والتي لها القدرة على معالجة بياناتالملتيميديا الخاصة بالإعلام وفق سرعة مهولة تفوق السرعة التقليدية بعدة مرات.

   بالإمعان إلى تكنولوجيا النانوميتر تتحقق لنا رؤيا أكثر واقعية وموضوعية في جدوى الفكر الإنساني الجديد، الذي لا يستغني عن تكنولوجيا الديجيتال، مع ما تحقق من انجازات عبر هذه التكنولوجيا التي لربما تكون عجيبة أو خيالية للبعض، لذا انبلج عالم متشابك فيما بين الديجيتال والنانوميتر، والواقع أن هذه التكنولوجيا ليس خيالا كما يحسبها البعض، كون أن العديد من المنجزات قد تحققت أمام الأعين، حيث تم غرس بعض رقاقات السليسيوم في الأيدي لتقوم مقام الخلايا المعطوبة، وقام الباحث الإنجليزي كينيث وارويك بزرع رقاقة الكترونية في جسده تفتح له باب منزله وتتعرف على كلمة السر عندما يريد فتح حاسبه الآلي، وصرح الباحث الفرنسي الكبير جويل دو روزني أمام الملأ بأن إمكانية زرع رقاقات مذوبة في بروتينات أو "هيولينات" الجسد لها القدرة على التواصل في ما بينها أصبح ممكنا، بمعنى أن القدرة على تغيير الإنسان لذاته ممكن حدوثه بفضل الإلكترونيات الصغائرية، التي من غايتها خلق علب تُخزن الإلكترون والمعلومات البيولوجية، وهذه الإلكترونيات الصغائرية ستحل يوما محل السلسيوم، لأنها كيماوية ولها قدرة التطابق مع الصغائر البيولوجية، أما آفاقها التطبيقية فلا حصر لها، منها مثلا إعادة النظر إلى المكفوفين والسمع، وقد يتعداه إلى تحنيط جميع المعلومات التي يحتويها الذهن، في أقراص ورقاقات الكترونية، وتثبيتها من جديد في أي مخ أو على أي أعمدة وركائز، ومن أهم الصناعات القادمة باستخدام هذه التقنية، صناعة الرواصف "Assembler" وهو إنسان آلي "روبوت" متناهي الصغر، لا يرى بالعين المجردة، ولا يزيد حجمه عن حجم الفيروس أو البكتيريا، يملك الراصف "أيدي" تمكنه من الإمساك بالذرة أو الجزيء، ما يعطيه القدرة على تفكيك أي مادة إلى مكوناتها الذرية الأصغر، وكذلك يقدر على رصف الذرات الواحدة قرب الأخرى، لصناعة كل شيء انطلاقاً من أي شيء تقريباً، ومثل كل روبوت، فانه مزود بعقل الكتروني، أي كومبيوتر، يدير كل أعماله، ويتحكم البشر بالرواصف، عبر تحكمهم بالكومبيوترات التي تدير الرواصف وبرامجها، معنى ذلك أن النانو يمكن أن يحقق أو يتجاوز أي شيء، طالما أن الواصف تتمكن من ترصف الذرات لصناعة أي معلومات أو إمكانيات، وهو ما ينذر بالتجاوز أو التغلب على التحديات الكبيرة في مجال الصناعة أو الطب، كالقضاء على الأمراض المستعصية، أو صناعة البدائل وما إلى ذلك، وبذات الوقت يمكن أن يخدم إعلامنا العراقي لو أننا تمعنا في استخدامات هذا العلم، وتحولنا إلى جادين في استخداماته كالاتصالات أو في مجال التحكم بوسائل الإعلام، أو في عمليات التصوير الدقيق للأحداث ومن ثم تحريرها وفق رؤيا حداثوية ضمن نطاق أسرع مما هو عليه الآن، لنقل الأخبار أو الأحداث ضمن آلية جديدة أكثر استقطابا، والواقع أن ما موجود على الواقع في بلدنا العراق يبشر بالخير مع ما حدث من اهتمامات للنانو تكنولوجي، إلا انه لا يلبي الطموح إزاء ما تقوم به البلدان المتقدمة من استخدامات فعلية للنانو، فعلى الرغم من أن العراق قد بادر إلى دراسات عديدة في مجال النانو تكنولوجي أو انه عقد مؤتمرات وندوات حول الاستخدامات والتطبيقات، إلا أنها تبقى الجوانب التطبيقية العلمية غير طموحة.

    موسوعة الوكيبيديا ترى أن النانوميتر أو النانو تكنولوجي سيحظى بمستقبل واعد ومنفرد النظير لما يحمل من امتيازات عديدة للغاية (إن المستقبل سيكون لتقنية صناعة النانو "Nanotech industry" التي يمكن أن تقود العالم إلى ثورة صناعية جديدة، فالنانو هو جزء من المليار من المتر، وقطر شعرة الإنسان هي 80000 نانو متر، عند هذا المستوى من التقنية فإن جميع القوانين الفيزيائية والكيميائية العادية لا يبقى لها وجود، فعلى سبيل المثال أنابيب ناتو الكربون أقوى 100 مرة من الفولاذ وأخف ست مرات منه، ولذا تتميز هذه التقنية في مجالات استخدامها البشري بأن الشيء المصنوع منها أصغر وأرخص وأخف وأقدر على أداء الوظائف المناط به، الفوائد الصحية والطبية لتقنيات النانو لا حصر لها اليوم وستشهد نمواً مضطرداً لا يمكن لنا وصفه ، فأبحاث علاج السرطان والبحث الدقيق عن وجود خلاياه تبشر بما يحل محل كل وسائل العلاج والفحوصات الطبية المتوفرة اليوم)[14].

    يرى الكثير من العلماء والمختصين بان هذه التكنولوجيا بقدر ما لها من أهمية بالغة في مجالات الصناعة، إلا أنها لا تخلو من عواقب لربما تكون غير سارة، إن لم نكن قادرين على التحصن منها، وهنا يذكر مارك ر. وايزنر مدير معهد أنظمة البيئة والطاقة بجامعة رايس، في موضوع تحت عنوان (نحو تكنولوجيا خضراء متناهية الصغر) منشور على احد الموقع الالكترونية، بان النانوميتر لربما يلتهم العديد من الأمور في زحمة ظروفه العملية أو الديناميكية له، ويقول (كان مجيء التكنولوجيا متناهية الصِغَر "Nanotechnology"، أو ذلك الفرع من الهندسة الذي يسعى إلى بناء الأشياء جزيئاً بعد جزيء ـ بل ذرة بعد ذرة في واقع الأمر ـ سبباً فـي استحضار صور من المستقبل "ليرقانات اصطناعية متناهية الصِغَـر" "Nanobots" ذاتية التكاثر، تقوم بإجراء العمليات الجراحية، أو تحول كوكب الأرض إلـى كتلة من الـهُـلام الرمادي بينما تلتهم كل شيء في طريقها) [15]، وهنا قد يتبادر للذهن في أن هذا الأمر قد يكون فقط هو السبب المنطقي من تجنب الدول النائمة أو الشرقية أو العالم الثالث باقتحام النانو تكنولوجي، حيث أن هذه الدول ترى أن هناك خشية في أن يعود النانو تكنولوجيا بسلبيات كانت تخشاها الدول الصناعية!! فاغلب الدول النائمة تتفنن في خلق التبريرات لها لخلق أعذار عن تأخرها.

 

 

الديجيتال والنانو وجهان لعملة واحدة في الإعلام

   قد يبدو متأخرا، وكأنه ضرب متقادم من الموضوعات، أن نتناول موضوع غادرته الدول المتقدمة قبل سنوات، ونحن في عام 2012، لكنه مفصلي وحساس للغاية، لاسيما أن مكابرات بعض المؤسسات الإعلامية تلوح بالأفق بمكر واحتيال، كي تبدو.... أنها مواكبة لما حدث من تطور وتغيير جذري لمفهوم الإعلام، من هنا التزم أسلوب الصعق لتلك المؤسسات كي تصحو من نومها العميق مع سكرات الأطلال، أو الحنين للماضي، عسى ولعل إن تعي تلك المؤسسات حجم التحديات التي ستواجهها في المستقبل القريب، إن كان مستقبل لها مع الإعلام، فالعالم في تغير مستمر مع التقنيات التي تعطي هيبة وقوة للدول التي تعتمدها، ناهيك أنها تضعها في خانة الدول المؤثرة لا المتأثرة، ما ذكره منصور شاهين في كتابه الثورة في عصر الصورة، يبن لنا حجم التأثير والتأثر الدولية مع تقنيات الديجيتال، حيث يقول (العالم يتغير، لان العالم عرف الثورة الرقمية، إن الدول التي لن تتقدم في الركب ستجد نفسها في الخلفية، ولن تستطيع أن تلحق بالدول الأخرى)[16].

  قبل خمسة أعوام أوفدتني جامعتي العريقة إلى الجامعة الأمريكية والمعهد العالي للسينما في مصر، في تفرغ علمي أمده عام، كي ابحث في الإعلام الديجيتال، عدت والحمد لله للجامعة بدراسة بحثية حول الإعلام الرقمي المتقدم في العالم، طُبعت الدراسة في احد دور النشر المصرية على شكل كتاب في 400 صفحة تحت عنوان ديجيتال الإعلام، وقدمت بحثي عند عودتي في حلقة دراسية مع زملائي الأساتذة في الكلية، ورحب بها اغلب تدريسي كليتي لقناعتهم بحجم التحديات في التكنولوجيا، كانت التوجهات لمتابعة آخر التطورات والتحديثات في دفوقات الإعلام، وطرحت موضوعات كثيرة حول الإعلام الديجيتال والثورات المحتملة التي يمكن أن يثور بها الديجيتال، وطرحت موضوعات حول القدرات الانعكاسية أو الـ"Feed back"للديجيتال عبر تقنياته الإعلامية، التي حولت المجتمع البريء إلى جيوش إعلامية، بشكل أو بآخر، حتى أصبح الشيخ والطفل والمرأة يعمل في توثيق المواقف أو الأحداث عبر الموبايل، لم يكن التأريخ يسجلها من قبل، بل لم تدونها العلوم أو المدونات غير الديجيتال، فالتقنيات الديجيتال أخذت حيز واسع وشامل في الحياة بحكم أنها مصدر كبير لمعلومات المجتمع، (أصبحت شبكة الانترنت، تحتل حيزا مهما من حياتنا اليومية لكونها مصدر من المصادر المهمة للحصول على المعلومة)[17]، والاهم من ذلك بيّن الكتاب "ديجيتال الإعلام" خطورة واحتمالات ما يمكن أن يحققها الديجيتال واتصالاته غير المحدودة على السياسة، ومع خجل والتزام بأخلاقيات الإعلام النزيه، وتجنب للأنظمة المخابراتية التي تطال الطير الطائر في السماء، جاءت تنبؤات الربيع العربي في كتاب ديجيتال الإعلام[18]، إلا أنها حذرة جدا وتحمل شي من العموميات كي لا تطال التهم المخابراتية للباحث، لتبدو خجولة أمام ما تبقى من البروتوكولات والاتكيت الإعلامي[19]، لم يجرح الكتاب شعور الزعماء والقادة المستبدين، رغم تجاهلهم الديجيتال وتداعياته، بل لم يتعظ بعض ما تبقى منهم حجم الخطورة الموضوعية على مصيرهم ومصير شعوبهم، غير مبالين له ولا إلى مصيره، بل راح يزيد من حجم وعديد الجواسيس وعسكر الإعلام المغفل، بالوقت أن النذر تشير وتؤكد، آن الأوان لأن يسارع في تأسيس جيش إعلامي ديجيتال ليكون بديل عن عسكر الإعلام المغفل في مواجهة الربيع العربي، والواقع أن حتى الديجيتال سوف لن يكون كافي، بل مطلوب تأسيس جيش نانو ميديا، كي يعوض ما فاتهم من مواكبة أو استغفال ساعات نشوب الديجيتال، الديجيتال الذي خلع الزعماء ليعلن رسميا بوادر الحرب العالمية الثالثة، والتي لا ندرك عقباها تماما، مع ازدواجية المعايير الدبلوماسية، بأروقة مجلس الأمن الدولي، والذي يرى الكثير من المنظرين انه بات مجلسا يقترب بقرارته لدعم الإرهاب الدولي لا للأمن، على أساس انه لم يترك بلدان الربيع العربي إلا واصدر قراراته بإرسال مسلحين لها، تحت مظلات المساعدات والمنظمات الإنسانية، وتحت ذريعة المجتمع الدولي، بحجة تحرير الشعوب أو تقرير المصير وإطلاق حرياتها كما حدث في ليبيا، بالوقت أنها كانت قرارات خطيرة كونها فسحت المجال لدخول المسلحين من الإرهابيين، لتعث فسادا، فتبيح القتل الجماعي عبر المقابر الجماعية، وعبر تسليحها الشعوب البريئة وزجها بنزاعات، أو تشجيعها على النزاع، تحت ذرائع حريات التعبير أو خدعة الديمقراطية الملعونة، التي قادت الشعوب إلى الاقتتال والى التنازع والانفصال والتقسيم والتفرقة والطائفية المقيتة، بالوقت أن أوربا توحدت باتحاد خاص بها، لذا فان النذر تشير إلى شمول ما تبقى ممن لم يتعظ بهذا الربيع الدموي، والكتاب عموما قد نوه بصراحة سقوط الأنظمة الدكتاتورية عاجلا أم آجلا، إن لم تقضي الحرب العالمية الثالثة على أنظمة العالم كافة، كي يرجع الإنسان للعصر الحجري، كيف لا وان الشعب يريد إسقاط النظام، "إن كان يريد إسقاط النظام معنى انه يستبدلها بالفوضى" من شعارات الربيع العربي "الشعب لا يريد النظام" نكتشف أن الفوضى حلت كنقيض للنظام، بكل الدول التي شملها الربيع العربي، فبهذه الرسائل فرضت الأمم المتحدة آرائها على الشعوب المسكينة، مصير مجهول لكثير من القضايا الدبلوماسية، المتعري بالوقاحة والظلم والعنصرية والتسلط، بزعامة أمريكا التي انفردت بالعالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لتلقن أبشع الدروس للشعوب التي حكمتها، سواء من خلال عملائها الرؤساء والأمراء أو من خلال جيشها الذي رسم صورة سوداوية في الإنسانية، عبر جرائم طالت أبرياء لا يمكن حصرهم[20]، حتى أرعبت بذلك من اعتزل الزعامة الدولية، لتستفزه من جديد، ليعود إلى الحرب ما بعد الباردة، فبالتأمل لما حدث في سوريا ودور روسيا في تثبيت النظام، نجد أن توازن دولي جديد يعود بالأفق، فعودة روسيا في استخدمها حق النقض الدولي إنما بالونات صريحة لعودتها إلى الحلبة الأممية التي تحاول أن تحتفظ بما تبقى لها من ارث في مجلس الأمن الدولي، خصوصا لو تمعنا في رسالة التهنئة التي أرسلتها روسيا إلى مؤتمر القمة العربية في 29-3-2012 ببغداد، والتي أرادت أن تذكر بان روسيا موجودة على الأرض وأنها لاعب هام في ساحة السياسة العالمية.

  لقد تغيرت المفاهيم الإعلامية مع تطور التكنولوجيا الإعلامية، وتطورت الحروب مع قدرات الإعلام غير التقليدية، فلو تمعنا مع تكنولوجيا الإعلام ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية نجد أن هناك اختلاف، ولو تمعنا مع حرب العراق مع إيران ومع حرب العراق مع أمريكا لوجدنا أن كما كبيرا من التعديلات والأفكار الدعائية والسياسية قد حدثت على ارض الواقع مع تطور التكنولوجيا الإعلامية، فهناك الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية والمواقع الالكترونية قد رافقت معارك أمريكا بالعراق، وكان دوبريه قد ذكر بان التغييرات قد بانت للعيان ما بين حرب فيتنام وحروب الخليج، حيث يقول (إن حروب الخليج كانت حروبا بصرية، ومن ثم كانت حربا لا مرئية ومن دون آثار لدى المقيمين في الغرب خاصة، وكانت حرب فيتنام حربا بالصور، لأننا كنا فيتناميين وأمريكيين بأرجلهم ووجوههم وظهورهم ليس لهم طابع التمثيلية والتفويض والإنابة في وضعية حرب وبثيابها وقد عرضها من خلال شاشات التلفزيون والانترنت)[21]، ومع ما قامت به الدول الغازية عبر الإعلام الديجيتال، يبدو أن الحرب العالمية الثالثة قد اندلعت رسميا، مع سقوط بعض الأنظمة العربية، قد يتصورها البعض أنها حرب إعلامية ديجيتال، إلا أن تبعاتها اخطر وأوسع مما تكون عليه مجرد حربا إعلامية.

  اليوم وبعد خمس سنوات، من صدور كتاب ديجيتال الإعلام، وجد أن الكثير من المعنيين لم يتعظوا مما ذكر حول ديجيتال الإعلام، بل أن البعض منهم لم يبالي إن لم يدرك حتى هذا اليوم ما هو الديجيتال، لسبب بسيط جدا، أنهم حتى اليوم لا يزالون طارئين على الإعلام، لذا يرى الباحث عدم استنزاف ما تبقى من وقت في الاهتمام بالطارئين، كون أنهم في كل الأحوال غير خالدين في الإعلام، سوف لن يجدوا مع زحمة الديجيتال والنانو تكنولوجي مأوى أو ملاذ لأفكارهم وإيديولوجياتهم التي ارتادوها بذرائع الإعلام، لذا فان النانو تكنولوجي يؤكد انسحابهم الحتمي من الإعلام، كونهم غير معنيين بالموضوعات المطروحة في ديجيتال الإعلام، واهمين من أن المكر والخداع ألمخابراتي سيؤمن لهم ملاذ في أحضان الإعلام، الذي أغدق عليهم أموالا طائلة، متناسين بذات الوقت أن من يغدق تلك الأموال سيزول هو الآخر بالقريب العاجل مع بزوغ النانو إعلامي، وان جيل من النانو يستعد الآن لحمل لواء الإعلام.

  كانت دراسة ديجيتال الإعلام، قد تناولت موضوع أكثر حيوية وأهمية في الإعلام، ألا وهو النانو تكنولوجي- ثورة الثورات التكنولوجية، وللأسف لم يحظى هذا الموضوع باهتمام الكثير من المعنيين في الإعلام، لذات أسباب الربيع العربي، إن كان ربيعاً، فالفجوة الكومبيوترية أو الاتصالية أو الفيسبوكية، كانت في واد والحكومات غير المُدجتلة في واد آخر، ما جعل الفجوة المعرفية تتسع وتتسع حتى سقطت الأنظمة الهشة، التي لم تبالي و لم تمعن في النانو أو الديجيتال، بل لم تكلف نفسها أن تطلع على العلوم المتقدمة في مجال الاتصال، قدر استهلاكها لها، فراحت تستهلك السلع الديجيتال وتلهث على أحدثها وأفضلها، دون أن تدرك حجم الأغراض، أو ما سيئول له الديجيتال مع شعبها، ومن دون أن تكلف نفسها في متابعة أبعاد التخلف والتراجع لشعوبها في صناعة أو بحوث الديجيتال، إنها غير مكترثة تماما لأي دراسات أو أبحاث أكاديمية سواء في الإعلام أو مجال العلوم الأخرى، حتى أصبحت بعيدة كل البعد عن العالم المتقدم وعلومه التكنولوجية الفائقة، لتجد نفسها وبغفلة من الزمن في فخ مبهم، وكل ذلك اثر الفجوة العلمية الكبيرة، التي باعدت بعض الشعوب عن الواقع أو عن الموضوعية، وعصف بهم نحو بقع نائية، وهنا يذكر الدكتور محمد شريف الاسكندراني في كتابه "تكنولوجيا النانو من اجل غد أفضل" بان الفجوة باتت تمثل اخطر الآثار السلبية في دولنا العربية، ومن بين أهم المعوقات في تجنب تلك الآثار، عدم الاكتراث لتطورات البحث العلمي، وغياب دراسات النانو تكنولوجي، حيث يقول (عدم إدراج علم وتكنولوجيا النانو ضمن المناهج التي تُدرس في مراحل التعليم الأساسية)[22]، وهو ما يفسر بان المناهج العلمية في بعض البلدان قد استبدلت مع موضوعات النانو، كي تحفز المجتمعات نحو المضي في عالم النانو، وللأسف أن من بين المسئولين عن هذا المصير لكثير من الشعوب غير المتقدمة لا يعرف إن لم يسمع بالنانو، وللأسف بعض الإعلاميين، أو من يدعي الإعلام قد سخر مما ذكرت حول النانو في الإعلام

اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

محاضرات

أختر من القائمة أعلى يسار الفيديو
......المزيد

نشاطات

أختر من القائمة أعلى يسار الفيديو
......المزيد

المحاضرة الثالثة

المحاضرة الثالثة لدورة (تعليم اللغة الفارسية ) في مقر مؤسسة النخب الأكاديمية
......المزيد

إلى الشهيد النمر في عرسه الأعظم

د إياد الأرناؤوطي قُلْ للنـجومِ الشامخــــــــــاتِ: تبتّـــــــــــلي وقَـــعي سُجودًا عند بابيَ، وانزلــــي وتلبّســـــــي نـحـــــــــري الذبيــــحَ قلادةً حســــناءَ، من زهرِ الجنان،
......المزيد

شاهد بالفيديو..الشهيد الشيخ النمر: لانهاب الموت ونعشق الشهادة

نشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو كليب لأجمل ما قاله الشهيد الشيخ النمر في خطاباته.
......المزيد

السعودية والشيخ النمر.. رمتني بدائها وانسلت!

شخصياً لا أستغرب من أي وصف أو تعبير يطلقه الاعلام السعودي (والخليجي الموالي له) على اعدائه أو منافسيه.. لأنه اعلام
......المزيد