الانتفاضة الآذارية.. دلالات بحجم الوطن

  • نشره :

  • 01 - 08 - 2015
  • 2974
شواهد من التحدي والشرف الوطني، من ملحمة بطولية كبيرة، من المآسي والعذابات كتبت أيام السجون والزنزانات الرهيبة التي أودع بها أبطال الانتفاضة الربيعية أوراق ذكرياتهم القاسية ودونوا في صفحات التاريخ شهادات الرفض والجبروت وبحبر الدماء الزكية والاعتقالات.

أبدع بها أحرارها والتي فاقت تفاصيلها كل المديات، إذ سعى النظام المقبور لطمس رياحها الغاضبة مع أجساد أصحابها المدفونين في مقابر جماعية تبعثرت على ثرى العراق ومدنه النائية، حكايات مفعمة بالمرارة والموت داخل زنزانات الثوار.


هذه القصص والمآسي التي رواها عدد من أبطالها الذين ما زالت ملامحهم تحمل خطوط الألم، إذ لا تزال مشاهدها شاخصة أمام أعين ومخيلة الناجين من هذه المجازر، وفي ذكراها الخالدة ارتأت "الصباح" استرجاع أيامها ومداها مع من شاركوا فيها من معتقلات ومعتقلين.بعد يوم واحد من اندلاع الانتفاضة بدأت الاستعدادات لها من خلال التوجيهات التي صدرت من ثوارها في المدن العراقية كافة، إذ شهدت حالة غضب عارمة واتساعا في جميع مفاصل الحياة، وكانت بحق غضبا شعبيا كبيرا كاد يطيح بنظام الدكتاتور مع ما تخلله من خسائر في الأرواح والممتلكات، لكنه أعطى دليلا قاطعا للعالم بأن الشعب العراقي حي لا يموت على الرغم من سطوة وسلطة فرعون العصر، وقد امتلأت السجون والمعتقلات بخيرة ثوار ونساء الانتفاضة. الى أن أجهضت وأطفئت حرارتها لأسباب كثيرة ومعروفة.


قمع الشعب


مدير العلاقات والإعلام والشؤون الثقافية في مؤسسة "السجناء السياسيين" صلاح عبد الكريم رومي، أشار بهذه المناسبة الى أنه بعد تفاقم ظلم نظام البعث المقبور وقساوة سطوته بالنار والحديد بمجرد وصوله الى سدة الحكم في العام 1968 بدأ بقمع الشعب خصوصاً الذين لا يقدمون له فروض الطاعة والولاء فقام بحملة من الإجراءات التعسفية ضد شريحة معينة معروفة فقام بقمعها بحملة اعتقالات وإعدامات وتسفيرات ومصادرة الأملاك والأموال وفوق كل ذلك مصادرة حرية الرأي ومجابهتها بالعنف بأقسى أنواعه ثم تلاها بحربه المشؤومة ضد الجمهورية الإسلامية في إيران التي دامت ثماني سنوات وكان ينفخ بقربة مثقوبة ويضرب رأسه بجدار لم يجن منه سوى أذناب الخيبة والفشل، ثم جر البلد مرة أخرى الى حرب ضروس باحتلاله دولة الكويت الشقيقة، ذاق فيها مر الهزيمة التي جعلت هذا الشعب المظلوم يوجه الى النظام العفلقي المجرم الصفعة الكبرى بانتفاضته المباركة بوجه الطاغوت، فثار هذا الشعب بمختلف أطيافه وقومياته بانتفاضة عارمة شملت (14) محافظة من مجموع (18)؛ أي بمعدل 77 بالمئة من الشعب العراقي وتوالت الانتصارات على الدكتاتورية وسيطر الشعب على زمام الأمور، ما حدا بدول الاستكبار الى أن تتدخل في دعم النظام المقبور خوفاً من تغير الخارطة الستراتيجية لصالح الشعب المنتفض، وخوفاً من ألا تتكرر تجربة النظام الإسلامي في إيران سعت هذه الدول الى دعم النظام المقبور بقمع انتفاضة الشعب العراقي بعد أن قدم كل التنازلات بالتوقيع على ورقة بيضاء من قبل ممثليه في خيمة صفوان، وهنا بدأت صفحة القمع الوحشي من قبل أزلام النظام فقاموا بحملة اعتقالات عشوائية وبشكل جماعي يضم نساءً ورجالاً وأطفالاً منهم من دفن حياً في مقابر جماعية ومنهم من اعتقل وأعدم في رضوانية الموت ومنهم من استطاع التخلص من اعتقال أزلام النظام، كما حدث لثوار الانتفاضة الشعبانية من محتجزي رفحاء حينما لجؤوا الى السعودية، إذ واجهوا هناك قسوة المعاملة، وبعد أن رحل الظلام وبزغت شمس الحرية في 9/4/2003 والتي تكللت بنتاج تلك المعاناة والتضحيات التي قدمها الشعب العراقي فأنجزت عملية سقوط الصنم، ما أدى الى انبثاق مؤسسات العدالة الانتقالية ومنها مؤسسة "السجناء السياسيين" التي أنتجت قانونا يشمل كل من عارض أو وقف بوجه الطغمة الكافرة، فشمل كل من اعتقل أو سجن أو احتجز بأن تتكفل المؤسسة بمنحه الامتيازات والحقوق التي نص عليها قانونها الذي شمل شريحة واسعة، بما فيها شريحة ثوار الانتفاضة الشعبانية من محتجزي رفحاء، وهكذا استمرت انتصارات شعبنا المجاهد في صفحاته المتعددة.


قصص من أيام السجون


تقول أسماء محيسن: "في الأيام الأولى لانطلاق الانتفاضة المباركة خرجنا نحن عائلة الحاج محيسن من محافظة ميسان، وخلال المسيرة والهتافات مررنا بمستشفى الطوارئ، إذ قالوا لنا إن الثوار فيها جرحى ونريد منكن الاعتناء بهم فأقمنا فيها أنا وشقيقتي وبعض النسوة، وبعد أن حدث القصف على المدينة دخل أفراد جيش النظام مدججين بالسلاح والهراوات واحتجزونا وسجلوا أسماء الجرحى وألقي القبض علينا.. حققوا معنا ثم نقلنا الى مقر الفيلق الرابع في العمارة وشاهدنا كبار السن والشباب وهم يساقون مقيدين ويضربون بالسياط والركل والصفع حتى أوصلوهم الى الزنزانات مع الشتم والتوعد بالإعدام، وهناك لاقينا أشد أنواع التعذيب.. وحينما نقلنا الى معتقل في بغداد حققوا معنا كثيرا وأرغمونا تحت التعذيب الشديد أن نعترف على من كان معنا، وكنا نرى الشباب كيف يقتادونهم الى غرف القساوة والإجرام ويمارسون معهم تعذيبا شديدا ثم نسمع الحراس يقولون: "طكوهم بالدهن"، بعدها عرفنا انهم كانوا يعدمون ويدفنون كل من شارك في الانتفاضة، وبعد التحقيق معنا وبعد أشد أيام العذابات والجوع والحرب النفسية التي تمارس معنا كل يوم حكموا عليَّ وشقيقتي بالسجن المؤبد".


أسر مناضلة


المعتقلتان الشقيقتان أحلام وماجدة حسين رهك وهما من أسرة مناضلة، تستذكران أيام الانتفاضة الكبرى مع صغر سنهما إلا أنهما كانتا طرفين جديرين في الوقوف بوجه الطغاة لاسيما وهن من أسرة تنتظر هكذا فرصة للوقوف بوجه الظلم والاستبداد الذي أذاق عائلتهما الأمرين أيام النضال حينما اعتقلت أغلب العائلات التي تنتمي الى حزب الدعوة وحكم حينها على اخوتهما بالإعدام بعد أشهر طويلة من المعتقلات والتعذيب.
روت احلام ذكرياتها التي لا تنساها حسب وصفها بالقول: "الانتفاضة الآذارية رغم قصر مدتها إلا أنها حملت دلالات كبيرة عن حجم قوتها وبسالة أبطالها من الثوار الذين رأيناهم غيورين في ساحات الشرف في كل المحافظات العراقية أو في زنزانات البعث، حينما اعتقلنا بعد قمعها لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ النضال، ورغم الألم والمرارة والعذاب الجسدي والنفسي الذي وجدناه في السجون إلا أننا قاومنا بشرف ولم نتخاذل أمام سياطهم وجبروتهم، حينها لما سمعنا بالانتفاضة اندلعت في الجنوب فرحنا وقررنا أن نشارك فيها مع مجموعة من المناضلين فخرجنا نهتف ونهزج ونقاوم البعثيين وأزلام النظام من الجيش الشعبي الذي قتل الكثير من المتظاهرين واعتقل بعضهم وكنت من ضمنهم مع شقيقتي وأشقائي الذين وقعوا في أيدي أزلام النظام، ربطوا عيني وبدؤوا التحقيق معي بعد سماعي الإهانات والكلام القبيح وقاموا بتعذيبي أمام عين أختي أحلام التي كان عمرها آنذاك 12 عاما واستخدموا الكهرباء والتعليق بالسقف والضرب بـ"الصوندات"، وكانت صور الشباب الذين جاؤوا بهم من المحافظات وهم بحالة مزرية لا تصدق، إذ قاموا بتعذيبهم وربطهم جميعا وأخذوا يكيلونهم الشتائم والضرب حتى أدموا أجسادهم، بعدها بقينا في السجن مدة طويلة تحت التعذيب الى أن أفرج على قسم منهم وكنت من ضمنهم مع شقيقتي، جاءتنا الأخبار بعد ذلك انهم أخذوا اخوتي الاثنين الى محكمة الثورة ليحكم عليهما بالإعدام، ومنذ تلك اللحظة لم نرهم أو نسمع أخبارهم، إلا بعد سقوط الصنم حين عثرنا على أسمائهم في جمعية "السجناء" ضمن قوافل الشهداء.


انتفاضة داخل انتفاضة


وعن تلك الثورة العارمة التي انطلقت داخل سجن ابي غريب وتزامنت مع الانتفاضة الشعبانية حال اندلاعها يقول أحمد رسن: "حينما حدثت الانتفاضة المباركة كنت سجينا سياسيا في سجن ابي غريب نتابع الأخبار حيث كانت تأتينا صحيفة الثورة بنسخة واحدة لكل "600" سجين وكنا نعتمد على التحليلات السياسية في محاولة استجلاء الخبر. كنت محكوما بالمؤبد بسبب انتمائي لحزب الدعوة، وسمعنا عن الانتفاضة ومنها تولدت لدينا قناعات بقرب سقوط النظام، لذلك حاولنا عمل شيء مساند لما يحدث في خارج السجن، إذ تولد عصيان للأوامر لكل السجناء وكأن ثوار الانتفاضة أمدونا بعزيمة وقوة على مشاركتنا معهم، هددنا من قبل عناصر الأمن بالقتل، انسحبنا الى الجدار العالي حينها أخذوا عينة من السجناء الى معسكر الرضوانية أمثال راضي دحام وعقيل كوفة وصباح كاظمية وحسين الشوكي الذي أعدم بعد ذلك حينما ضرب ضابط الأمن، لكننا كنا نشعر ان الانتفاضة فاتحة خير لنا، فحدثت انتفاضة داخل السجن تولدت من الانتفاضة الكبرى، فلم يستطيعوا السيطرة عليها لأن السجناء السياسيين كانوا متعاونين ومتمسكين بقيمهم وأخلاقهم".
أما البطلة ليلى علي من البصرة فإنها بكت حينما استذكرت الأحداث قائلة: "كنت في العشرين من عمري حينما اندلعت الانتفاضة في شعبان الخير.. والدي وأشقائي هم من قادتها، فكنت مكلفة بإيصال المساعدات الغذائية والماء الى الثوار، إذ شاركوا الجيران في تهيئة ما يمكن أن يديم الحياة لهم لأسابيع، فكنت أحمل الطعام بخفية، لتأتيني الأوامر من أبي لنصب سيطرة على الطريق بالتعاون مع مجموعة من الشباب والنساء الذين كانوا يتخفون في خنادق هيأناها لهذا الغرض لإرشاد ثوار الانتفاضة الى الطرق لئلا ترصدهم عيون الأجهزة الأمنية وتلقي القبض عليهم، وبقيت عدة أيام أوصل الطعام والشراب للثوار ووالدي يقوم بنقل الأسلحة والذخيرة لكن عيون أجهزة النظام وجواسيسه كانت تترصد الأحداث والتحركات وتراقب المدينة قبل دخول القوات العسكرية وتقوم باعتقال الأبطال ليلا حين يذهبون الى بيوتهم لجلب بعض الأشياء فاعتقلنا جميعا بعد أن أوثقوا أيدينا وعصبوا أعيننا وفرقوا الرجال عن النساء، ومنذ تلك اللحظة لم أر والدي وإخوتي ولم أسمع عنهم شيئا، اقتادوني بعدها مع مجموعة من النساء الى مقر الفرقة الحزبية في البصرة وذقنا فيها أنواع الذل والمهانة والأساليب الوحشية في التعذيب، إذ تم حجزنا في مكان ضيق ليومين بلا طعام وشراب وتم ترحيلنا الى سجن النساء وحكم عليّ بالسجن لمدة عشر سنوات، وكنت في أيام التعذيب والاستجواب، أسمع أصوات كلمات الاستغاثة والصراخ من المعتقلات الأخريات من نساء الانتفاضة.. أما أبي وأشقائي فلم أسمع عنهم شيئا حتى العام 2003، إذ اخبرنا بإعدامهم لاحقا.


مبادئ الأحرار


تسترجع بشرى محمد ذكرياتها بالقول: "لا يمكن نسيان تلك الأحداث بسبب منظر جثث النساء والرجال المرمية على الأرض، وصور الإعدامات للأبرياء دون محاكمة ومنظر الدماء في كل مكان وحتى السيارات المتوقفة كانت ممتلئة بالجثث، ومطاردة المنتفضين والثوار في كل مكان".
اعتقلت بشرى بعد أن تأكدوا من مشاركتها وزوجها في الانتفاضة في مدينة كربلاء المقدسة مع ابنتيها الصغيرتين وبعد إعدام زوجها مع رفاقه، ظلت تحافظ على مبادئ الأحرار وتتأمل وجوه أبنائها الذين قاسوا معها محنة السجون والتعذيب.
وتسترسل في حديثها عن الانتفاضة: إن شرارتها وصلت مدينة كربلاء في الخامس من آذار، وانتشرت بسرعة في مختلف المدن فقطعت الشوارع المحيطة بها حتى تعذر على الناس أن يعبروا الشوارع لكنها تمركزت في الروضتين الحسينية والعباسية، وقضى النظام على جميع من أسهم في الانتفاضة سواء بالقصف الجوي أو بواسطة الدبابات، كما كانوا يقتلون من الناس ما يريدون وفق هواهم وأحيانا لمجرد أن يكون الشخص قد خرج من داره".


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

محاضرات

أختر من القائمة أعلى يسار الفيديو
......المزيد

نشاطات

أختر من القائمة أعلى يسار الفيديو
......المزيد

المحاضرة الثالثة

المحاضرة الثالثة لدورة (تعليم اللغة الفارسية ) في مقر مؤسسة النخب الأكاديمية
......المزيد

إلى الشهيد النمر في عرسه الأعظم

د إياد الأرناؤوطي قُلْ للنـجومِ الشامخــــــــــاتِ: تبتّـــــــــــلي وقَـــعي سُجودًا عند بابيَ، وانزلــــي وتلبّســـــــي نـحـــــــــري الذبيــــحَ قلادةً حســــناءَ، من زهرِ الجنان،
......المزيد

شاهد بالفيديو..الشهيد الشيخ النمر: لانهاب الموت ونعشق الشهادة

نشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو كليب لأجمل ما قاله الشهيد الشيخ النمر في خطاباته.
......المزيد

السعودية والشيخ النمر.. رمتني بدائها وانسلت!

شخصياً لا أستغرب من أي وصف أو تعبير يطلقه الاعلام السعودي (والخليجي الموالي له) على اعدائه أو منافسيه.. لأنه اعلام
......المزيد