لنتعلم من علي وفاطمة " الزوجين "

  • 31 - 07 - 2016
  • 9595
الشيخ علي سنان يحتاج الإنسانُ في حياته إلى أسوةٍ يتماهى معها في أقواله وأفعاله"ألا وإنّ‏َ لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضي‏ءُ بنور علمه..."(1). وهذا التماهي يستتبع اقتداءاً بالأسوة في كل شؤون الحياة... وقد مثَّل رسول الله صلى الله عليه وآله الأسوة الحسنة فهو "إمام من اتقى، وبصيرة من اهتدى..."(2) وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾(2)

وأهل البيت عليهم السلام امتدادٌ لرسول الله‏ صلى الله عليه وآله وهم الثقل الآخر الذي أمرنا التمسك به - إضافة إلى القرآن الكريم - "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ‏َ الحوض"(4). والتمسك بهم عليهم السلام لا يتحقق بأخذ أقوالهم فقط بل يجب أن تتعداها إلى الأعمال "إن أبغض الناس إلى الله عز وجل من يقتدي بسنة إمامٍ ولا يقتدي بأعماله"(5). وشكلت سيرة حياة الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام نبراساً لكل السالكين في طريق الهداية والرشاد... ومثالاً يحتذى لكل المريدين طاعة الله تعالى... وقدوة لكل الراغبين في الارتقاء إلى المراتب العليا التي أرادها الله لنا. فلنتعلم من سيرة هذين العظيمين... فلنتعلم من علي وفاطمة عليهما السلام الزوجين. وسأحاول الاقتصار على بعض جوانب حياتهما المباركة مقتصراً على ما تسمح به هذه المقالة.

* زواج علي وفاطمة عليهما السلام:
زوَّج رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بأمرٍ من الله تبارك وتعالى بعد أن رد من تقدم لخطبتها، من سادات المهاجرين والأنصار. ويُعتبر هذا الزواج نموذجاً بكل تفاصيله ونتائجه لأنه زواج النور من النور وزواج متكافئين... وقد ورد أن الملاك جبرائيل هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال له: "يا محمد إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفوٌ على وجه الأرض ادم فمن دونه"(6).

* صبر فاطمة وإيثارها:
في رواية عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ساغباً فقال: "يا فاطمة هل عندك شي‏ء تغذينه؟ قالت: لا، والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية. ما أصبح الغداة عندي شي‏ء، وما كان شي‏ء أطعمناه من يومين إلاَّ شي‏ء أؤثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين، فقال علي: "يا فاطمة ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً، فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحيي من إلهي أن أكلف نفسك ما لا تقدر عليه..."(7). يكشف هذا النص عن عمق العلاقة التي كانت تربط بين علي وفاطمة... وما ينبغي الالتفات إليه هذا التحمل وهذا الصبر من سيدة نساء العالمين... وإيثارها لزوجها فيما تحتاجه هي وولداها سيدا شباب أهل الجنة، ثم بعد ذلك هي تستحي من أن تكلفه ما لا يطيق ويقدر عليه. من المهم أن تلتفت نساؤنا إلى هذه الأخلاق وهذه الصفات التي كانت عليها سيدة نساء العالمين فيقتدين بها ويتمثلن سلوكها فيصبرن ويتحملن أوضاع أزواجهن الاقتصادية التي قد لا تسمح لهم بتلبية كل الحاجات فيكنّ‏َ خير معين للأزواج ولا يكلفنهم ما لا يقدرون عليه ولا يطيقونه.

* تقاسم الأعمال المنزلية:
تقاسم علي وفاطمة عليها السلام الأعمال المنزلية ورضيا بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما حيث رُوي عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: "تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على علي بما خلفه، قال: فقالت فاطمة: فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله بإكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله تحمل رقاب الرجال"(8). وفي حديث آخر عن أبي عبد الله‏ عليه السلام قال: "كان أمير المؤمنين‏ عليه السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز"(9). قد يعجب المرء عندما يقرأ هذا التناغم الكبير بين هاتين الشخصيتين ولكن عجبه ينقضي عندما يعلم أن هذين العظيمين هما مثال للإنسانية جمعاء في تعاملهما وتفاهمهما حتى على أدق التفاصيل وتحديد الأمور التي يتكفل كل طرف منهما بالقيام بها برضىً وقبول وعن طيب نفس وما يتناسب مع طبيعة كل من الرجل والمرأة. ولكن التقاليد والعادات التي وفدت إلينا من كل حدب وصوب والمفاهيم التي استحكمت بنا كمسلمين قد تمنع الكثير منا أن يتأسى بعليٍ وفاطمة عليها السلام، قد نعيش معهما ترفاً فكرياً وتاريخاً مهماً ولكن ما لعلي وما لفاطمة في حياتنا المعاصرة اليوم ولذلك نحن نعيش معهما في الفكر ولا نعيش معهما في السلوك.

* علاقتهما الشخصية:
يتحدث أمير المؤمنين عليه السلام عن علاقته بسيدة نساء العالمين قائلاً: "فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان"(10). وكلام الأمير عليه السلام يكشف عن طيب نفسيهما وعلو شأنهما وعظيم أخلاقهما لأنهما مثالا الإنسانية الكاملة. والزهراء عليها السلام "لم تكن امرأة عادية كانت امرأة روحانية... امرأة ملكوتية.. كانت إنساناً بتمام معنى الكلمة... نسخة إنسانية متكاملة... امرأة حقيقية كاملة..."(11). وكان أمير المؤمنين يحرص كل الحرص على رعايتها والاهتمام بها وهذا ما عبر عنه فهو لم يغضبها ولم يكرهها على أمر وقد بادلته هذه المعاملة الطيبة وكانت سبباً مباشراً في انكشاف همومه وأحزانه. وهذا ما يجب أن نتعلمه في حياتنا الزوجية كمؤمنين في تعاملنا مع بعضنا البعض كأزواجٍ وزوجات، نضع نصب أعيننا رضا الله تعالى في كل ما نقوم به داخل أسرنا ولنشعر بحق برقابة الله تعالى. وكم هو جميل أن يحرص الرجل على عدم تحويل أسرته إلى مكانٍ ينفس فيه عن غضبه. أو أن يحوّل أسرته إلى سبب مشكلاته فالزوجة سكن والشعار الذي يجب أن يكون بينهما شعار المودة وشعار الرحمة.

الخاتمة: هذه بعض المواقف نقلناها عن حياة الزوجين علي وفاطمة عليهما السلام حيث كانت حياتهما الزوجية تزداد إشراقاً في بيت تكتنفه القداسة والنزاهة وتحيط به عظمة الزهو وبساطة العيش، كانت الزهراء عليها السلام تعين زوجها على أمر دينه وآخرته وتتعاون معه في جهوده وجهاده. وكان علي عليه السلام يبادلها ذلك فهو لم يغضبها قط وكان يعرف مكانتها وعلو شأنها أليست أحب الخلق إلى رسول الله، أليست سيدة نساء العالمين. إن الحياة الطيبة التي كان يعيش فيها علي وفاطمة لم يكن ليعكرها الفقر أو الفاقة أو تؤثر فيها الحوادث التي نزلت على هذا البيت. بل كانت حياة ملؤها الحب والمودة والتفاهم التام بين الزوجين. هذا بعض سيرة هذين العظيمين وما هو مخبوء أعظم واهم فهل من يبحث عنه ليطبقه في حياته فيعيش سعيداً في الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى.


(1) نهج البلاغة، الكتاب 45،4.
(2) نهج البلاغة، الخطبة 94،6.
(3) القرآن الكريم، سورة الأحزاب، الآية 21.
(5) الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، ج‏1، حديث 489،102.
(6) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 43، حديث 3، ص‏92،93.
(7) المرجع نفسه، حديث 51، ص‏59.
(8) المرجع نفسه، حديث‏1، ص‏91.
(9) المرجع نفسه، حديث 7، ص‏151.
(10) المرجع نفسه، حديث‏1، ص‏134،
(11) الإمام الخميني، مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره، ص 23.


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

5 قواعد استراتيجية لإنتاج العلم والمعرفة

يمضي الطالب الجامعي ما يقارب 20 سنة في التعلّم، ما بين المدرسة والثانوية والجامعة، وأحيانًا تطول أكثر من ذلك بكثير.
......المزيد

6 رؤساء موساد سابقون: "نحن في مرحلة خطرة لمرض خبيث"

مفاضلة الحكام الصهاينة: ضياع القيم بين اللاأخلاقي والاجرامي ابدى ستة رؤساء سابقين لجهاز لموساد الصهيوني قلقهم على مستقبل الكيان الصهيوني
......المزيد

ثقافة الأشهر الثلاثة (رجب، شعبان وشهر رمضان)

تلتقي برامج التثقيف الاسلامي عند محور مركزي يمثل الدورة الثقافية السنوية الأم التي تتفرع عنها وتتماهى معها كل برامج السنة
......المزيد

الشهادة

الإمام والتحرك السياسي: لقد كابد المسلمون عموماً، والعلويون وشيعة آل البيت الويلات جراء الحكم العباسي المتغطرس، فقد قاسوا ظلم المنصور
......المزيد

إمامة الكاظم (عليه السلام): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل

إمامة "الكاظم" (ع): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل(1) لقد كانت حياة موسى بن جعفر عليه السلام المليئة بالأحداث؛ حياةً مليئةً
......المزيد

إطلالة عامة على حياة الإمام الكاظم عليه السلام

شخصية الإمام الكاظم عليه السلام: ولد أبو الحسن موسى عليه السلام في الأبواء بين مكة والمدينة في يوم الأحد السابع
......المزيد

رؤية الإمام قدس سره في خصوص تنصيب الولي الفقيه

يظهر من بعض الكتابات الفقهيّة للإمام أنّ الوليّ الفقيه يتمّ تنصيبه من قِبَلِ الشارع المقدّس. حيث يعتقد الإمام أنّ الولاية
......المزيد

الجمع بين رؤيتي الإمام الخميني قدس سره

قد يخطر لبعضٍ، وفي الوهلة الأولى، وجود تناقض بين رؤيتي الإمام المتقدّمتَين. ومن هنا حاول بعض المحقّقين في آثار الإمام
......المزيد