وجود عشوائى-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان .

  • نشره :

  • 14 - 04 - 2014
  • 14993
- نحن نتصور ونتوهم بأن هناك نظام ما يحكم الوجود ليرتبه ويقدره ويغمره بحكمته وتدبيره حيث كل الأمور تحت السيطرة والهيمنة بينما الحقيقة أنه لا نظام ولا ترتيب ولا حكمة , بل الأمور تنحو نحو العشوائية واللانظام واللامعنى.


- عقليا ومنطقيا لا يخرج الوجود عن أربعة إحتمالات لا خامس لهم إما وجود نظامى , أو عشوائى , أو نظامى يحتوى على فوضى , أو عشوائى يحتوى على نظام فأى وجود هو الصحيح .؟!
لو قلنا نظامى فى المطلق فالعشوائية تثقب عيوننا ولو قلنا عشوائياً فنحن نرى حالات نرى فيها نظام .. إذن هل هو وجود نظامى يحتوى على عشوائية ولكن هذا مرفوض أيضا , فالنظام وضعية لن تستثنى فلا تنتج إلا نظام بينما العشوائية يمكن أن تتحمل نظام لأن من إحتمالاتها النظام فلو ألقينا 5 مكعبات فيمكن أن تحصل بعد عدة رميات منهم على رقم سته للمكعبات الخمسة بغض النظر عما نبذله من محاولات .. إذن نحن فى وجود عشوائى انتج صيغ أطلقنا عليها نظام .

- فيزياء الكوانتم أو ميكانيكا الكم علم يهتم بدراسة طبيعة وسلوك الجسيمات الأولية أو ما تحت الذرية التى تُعتبر الوحدات البنائية الأصغر كتلة وحجمًا في الوجود على الإطلاق أي تلك المكونات الأولية التى تؤلف فى مجموعها الوجود والكون فبتجمعاتها تتشكل الكيانات المادية المستقلة من أصغر الموجودات مرورًا بالإنسان إلى المجرات بكواكبها وشموسها العملاقة ولكن سلوك هذه الجسيمات الأولية ماهو إلا سلوك عشوائي كامناً في ذاتها. أى أن الوحدات البنائية للوجود المادى هو عشوائى السلوك .

- الإنفجار الكبير الذى يفسر نشأة الكون هو مشهد عشوائى فنحن أمام إنفجار عشوائى ليس ذو مسارات صارمة منتظمة ليكون الإنفجار هو خضوع المادة لحزمة قوى , ليقدم لنا البيج بانج دليل قوى عن العشوائية والفوضى وأن وجودنا ماهو إلا تحقق ظروف على سطح شظية من شظايا الإنفجار.

- النظام هو تكرار مشاهد وتوقع تكرارها فى الزمن فنقول مثلا أن دوران الأرض حول الشمس نظام ولكن قبل أن تتكون الأرض والمجموعة الشمسية لم يتحقق هذا النظام .. إذن النظام جاء من العشوائية.

- نحن نحتال على الوجود لنخرج بصيغة نظام ,فالنظام هو رصدنا لتكرار التوازن فى الزمن .لذا لا يوجد شئ إسمه توازن فى المطلق فيستحيل ان تستمر معادلة التوازن ثابتة بل الحالة التوازنية يستحيل لها أن تتطابق فلا يوجد نظام فى المطلق .

- النظام ليس معناه وجود فعل نظامى مُتعمد ,فالنظام تقييمنا نحن للأشياء .. فالأشياء ليست مُنظمة أو غير مُنظمة فى ذاتها بل نحن من رصدنا علاقات لنقل عن هذه العلاقات مُنظمة . أى هى تقديراتنا ورؤيتنا وإنطباعاتنا نحن .. مشكلتنا فى فهم الوجود أننا تغافلنا أننا من قيمنا الأشياء لننسبها لمُنظم مستقل . 

- ما نشاهده من نظام هو فقط قدرتنا على القياس والرصد وفقا لزماننا ومكاننا ، فالنظام وليد حالة عشوائية تامة من تفاعل المواد مع بعضها لتكون النظام فى لحظة زمكانية شريطة وجود وعى ليصيغه وينتقيه ويعتمده فى علاقة .

- النظام نسبي يخرج من رحم الفوضى الكونية بإسقاط إستدلالات إنسانية , فالنظام ماهو إلا جزء استطعنا أن نُوجد له علاقة مرتبة من الفوضى الكبرى , فالنظام فوضى رتبناها أو قل إتفقنا على خطوط ترتيب لها .

- الزمن نسبي ونحن نعيش لحظة أو حقبة نظام كفوضى مرتبة بالنسبة لعمر الكون العشوائى الممتد إلى مليارات السنين .

- الوجود المادى غير معنى أن يُصدر لنا مشاهد مرتبطة ببعض بل نحن من نحاول ايجاد علاقات فيما بينها قد نصيب أو نخطأ وهذا يتوقف على قراءتنا للمشهد وزواية رؤيتنا وكلما اقتربنا اكثر بحثاً عن علاقات نصيغها من بوتقة العلاقات المادية بدون أن نقحم تصورات ليست من المادة فسننال سببية اكثر ديمومة .

- ليس هناك غاية من شروق الشمس وغروبها سوى أنها جزء من طبيعة أطلقنا عليها نظام شمسي وليس هناك غاية من حدوث الزلازل سوى أنها جزء من طبيعة أطلقنا عليها نظام الأرض ,فالبراكين والزلازل تحدث على المريخ و الزُهرة بالرغم انهما مهجوران أى لا يوجد عليها بشر لتكون هناك غاية إلهية تعتنى بالإنتقام أو الإختبار

- العشوائية هى التى أنتجت الوجود فلا مشهد نظامى مُعتنى ذو ترتيب وغاية ولا يعنى هذا غياب السببية بل قل أننا لا نستطيع أن نتلمس سببيتها فكل مشهد وجودى عشوائى له أسباب أنتجها ولكننا نجهل آلياتها وعلاقاتها مابين إستحالة إيجاد علاقة يمكن رصدها لنطلق عليها عشوائية . 
العشوائية تعنى الجهل والقصور التام عن التعرف على الأسباب وما بها من علاقات أو قل هى الوضع الطبيعى للوجود فالأشياء بلا نظام ولا علاقة حادة لتأتى العلاقات من إبداع الإنسان فى مشاهد ينتقيها.

- لإدراك ماذا نعنى بأن الإنسان هو من يخلق علاقات ليقيم منها نظاماً فلنا مشهد المدقات على الطريق أو الأحجار التى ننثرها لتهدينا للطريق فيمكن منها فهم علاقتنا مع الوجود العشوائى ,فلو لدينا نقطتان ألف وباء ونريد التحرك من أ إلى النقطة ب ولا يوجد لدينا وسائل إيضاحية بحكم جهلنا فسنلقى بمجموعة من الحجارة أثناء سيرنا من أ إلى ب لتصبح هناك علاقات بين تلك الحجارة يمكن ان تدخل فى قانون بينما هى حجارة ليست ذات مدلول وبذا تكون قد خلقنا هنا نظام من فعل عشوائى ليصبح الطريق من أ إلى ب نظاماً .!
بالطبع يمكن ان نثبت الحجارة أو نزرع اشجار أو نرصف الطريق من أ الى ب أو نختصر من المسافات المهدرة ثم نقوم بعد ذلك برسم خريطة لوضع الاحجار التى ألقيناها بعشوائية ونضع قانون لزاوية إنحراف كل حجر عن الآخر لنتوهم بعد ذلك ان الوجود منظم .!

- رصد الملاح والأعرابى للنجوم فى السماء يعطينا مشهد آخر أننا نخلق العلاقات والقوانين من موجودات لا تعطى لنا قانون وهذا مثال يؤكد أن من العشوائية نخلق نظام .

- النظام ليس معناه وجود فعل نظامى عاقل فالنظام تقييمنا نحن للأشياء ..الأشياء ليست منظمة أو غير منظمة فى ذاتها بل نحن من رصدنا علاقات لنقل عن هذه العلاقات منظمة أى هى تقديرنا ورؤيتنا وإنطباعاتنا نحن .. مشكلتنا فى فهم الوجود أننا تغافلنا أننا من قيمنا الأشياء ومنحناها معنى لنبحث عن مُنظم .

- العشوائية مشهد مادى فى النهاية يخضع لظروف المادة فى لحظة معينة .. نقول عشوائية وفوضى لعدم تكرار المشهد وغموض أسبابه وتوقع حدوثه .. النظام جاء كحالة إستثنائية من العشوائية كصياغة وبتقييم وانطباع إنسانى لنتشبث به كوننا لا نستطيع العيش وسط حالة من الفوضى واللاتوقع .. لا نتحمل العيش بمنهج الإحتمالات المفتوحة الغير متوقعة فهو الجنون بعينه فالعيش فى اللانظام يعنى الشواش والجنون .. نحن نحتال على الأشياء لنخرج منها بصيغة نظام .

- بعض الاخطاء الشائعة نجدها في سوء فهم تعبير مثل "عن طريق الصدفة" فيتعامل البعض معها وكأنها تعني بلا سبب بينما الوجود يستحيل أن يتحقق فيه ما يقال عنه صدفة كتطابق الأحداث وفقا لوعيهم .. على العموم الخلط بين مفهومي العشوائية والسببية خاطئ ومغلوط , فالعشوائية لا تتعارض مع جوهر السببية من حيث وجود أسباب مادية ولكن ليست خاضعة لترجيح وحتمية حوادث وأسباب .

- العشوائية تظهر للعقل كأنها نظاما فنحن نتعجب ونندهش من الطبيعة الجميلة المعقدة وذلك يرجع لأننا نندهش من المنتج النهائى الذى لا يوجد فى مداركنا مراحل تعقيده العشوائية لذا نتعجب لأننا لا ندرك البدايات ومراحل تعقيدها العشوائية لذا عندما نُقيم علاقات لبعض المشاهد فإننا نخلق نظام .

- التصميم والنظام الذى نعتقد فيه هو زاوية رؤية إنتقائية تسقط إنطباعاً إنسانياً مطلوب حضوره , فنحن تدهشنا الحياة على الأرض بينما الكون يحتوى على مليارات المجرات والكواكب الخربة تعمها الفوضى والعشوائية ولا تصلح للحياة ويكون مصيرها إنهيارات وثقوب سوداء .. نحن نقطة مستقرة محدودة فى الزمان أطلقنا عليها نظام ومن داخلها نتصور الوجود منظماً.

- من الخطأ القول أن الطبيعة مُنظمة أو عشوائية فقولنا هذا هو إعطاء وجود وسلوك شخصى للطبيعة لنقع فى خطأ فكرة الله أو قل خطأ الوعى أنتج فكرة الإله .. الطبيعة مُنظمة أو عَشوائية هو تقييمنا نحن لها فقط ,فالإنسان هو مصدر كل الأفكار والإنطباعات والأحاسيس ومنها خلقنا الافكار والقوانين والفلسفات والآلهة .

- قول أفلاطون " أن العالم آية فى الجمال والنظام ولا يمكن أن يكون هذا نتيجة علل إتفاقية بل هو صنع عاقل رتب كل شئ عن قصد وحكمة ". مقولة خاطئة وكلها مغالطات وتعسف وتبنى أحكام على ما يحتاج إثباته .. فمقولة أن العالم آية فى الجمال والنظام مفهوم خاطئ يبنى نفسه على اعتبار الجمال والنظام أشياء بذاتها فلا يوجد شئ جميل بذاته بل هو انطباع الإنسان وتقييمه للأشياء ليستحسن أشياء ويمنحها صفة الجمال , فالجمال وصف وتقدير وتقييم ونسبى .. أما النظام فهو تقييم الإنسان للأشياء ذات التكرار التى يرصدها وليس سمة عامة للوجود مُستقل عن تقييمه .. فالنظام علاقات يتلمسها الانسان لبعض الظواهر وليست قانون عام يسرى على كل الوجود .

- يقول المؤمن بإله : أنظر النظام في الكون لا بد له من مُنظِم ؟. و لكن هل حقيقة أن ظهور النظام يحتاج لخالق , فعلم التعقيد وأى مشهد وجودى بلا إستثناء يُدل أن النظام ينشأ من تفاعلات بسيطة غير واعية و بدون قصد أو غاية، كما أن علم التطور أظهر كيف يمكن لبنى معقدة كالعين أن تتطور بالتدريج من مجرد بقع حساسة للضوء لعيون مكورة ذات عدسات كآليات غير واعية.. إذن النظام جاء من اللانظام وعليه فلنتأمل هل الوجود فى نظام أم فى عشوائية انتجت صيغة رصدناها وأدخلناها فى علاقة وإتفقنا على أنها نظام . 

- نحن فى وجود عشوائى لا غاية له ولا معنى لنخلق نحن نظامه ومعناه .. فلتنظر لشئ شائع فى وجودنا يمثل أساس وعينا وتطورنا وحضارتنا وهى اللغة فستجد أى لغة عبارة عن كلمات والكلمات ذات حروف متلاصقة عشوائية بذبذبات عشوائية قمنا بتجميعها مع بعضها بشكل عفوى عشوائى لننتج كلمة نمنحها معنى ودلالة ,فالحروف المتشابكة ليس لها أى بناء أو تنظيم بل النظام والبناء جاء من البشر الذين اتفقوا على تشابك حروف بشكل عشوائى لتعطى لهم معنى ودلاله معينة .. فيمكن لأى انسان ان يشبك مجموعة مختلفة من الحروف وهذا ما يحدث بالفعل من اختيار أسماء المعدات والأجهزة والأدوية فهذا التشبيك العشوائى نترجمه لدلالة ومعنى معين حتى تكون شفرة بيننا بإدراك ماهيتها –اى اننا تعايشنا مع الوجود العشوائي وانتجنا منه ما نتصوره نظام .

- الكتابة ذاتها عبارة عن خطوط عشوائية إتفقنا على رسمها ومنها نستطيع ان نقرأ فليس رسم حرف أو كلمة هو ذات معنى بل إتفقنا على أنه يعبر عن معنى لذا تتباين الكتابات واللغات فى رسم حروفها وكلماتها ليبقى أن كل جماعة بشرية إتفقت على رسم لحروفها ,,أى أن الإنسان انتج وإستثمر من العشوائية أشكال وعلاقات يراها نظامية . 

- من طبيعة اللغة الماثلة لوعينا تتأكد رؤيتى أن الوجود عشوائى فى طبيعته وأن النظام رؤية بشرية إعتنت أن تتفق على بعض المشاهد لتراها نظام فهكذا نظرتنا للوجود هو التوافق على مشهد عشوائى وإعطاءه معانى ودلالات ولا مانع بعد ذلك أن نخلق منظومات معقدة من تلك العشوائيات كقواعد اللغة والكتابات الشعرية والمشاهد الوجودية لتكون كل التمظهرات منتجات عشوائية أصيلة تحايل عليها الإنسان ليخلق منها نظاماً .!

- هناك تأمل طريف فلو دققنا فيه سنجد أن حياتنا فى لهوها ومتعتها هو تعاطى ومداعبة العشوائية واللانظام فسعادتنا بلعب الكوتشينة والطاولة والدومينو بل كافة الألعاب الرياضية والأليكترونية هو الإستمتاع بالعشوائية فيها فأى لعبة مهما كانت تخضع لنظام وخطط ففيها جزء من العشوائية وهو ما يسبب المتعة كون الأمور تتلاعب مع مجهول لا يمكن رصده .!

- الإنسان القديم عندما مارس الموسيقى فقد مارسها بشكل عشوائى ثم خرج منها بالنظام .فمثلا عندما عرف الطرق على الطبلة كأول آلة موسيقية ..كان يطرق دقات مختلفة معبرة عن حالته العصبية والمزاجية ليلاحظ بعض الاذكياء منهم ان هناك دقات معينة تثير الإستحسان والقبول لدى الجماعة فتعلم أن يكررها وينتقيها فى كل مرة يدق على طبلته ..ومن هنا جاءت نغمة منتظمة نالت القبول وسط الآلاف من محاولات الطرق ..ليقوم الإنسان فى العصر الحديث بإيجاد لغة ذات شفرة مثل أى لغة مكتوبة يتم التعامل بها ليسميها النوتة الموسيقية .
لاتتم إستساغة الموسيقى بشكل غامض بل لوجود أعصاب فى الأذن ترتخى وتتمايل مع النغمات الحلوة بينما الدقات والنغمات الصاخبة الشديدة والرتيبة تصيب هذه الأعصاب بالإنزعاج كمثل سماع دقات المطرقة على السندان لتكون النغمات الموسيقية التى نسمعها ونطرب لها هى حالة إستثنائية تولدت من مليارات النغمات فى الوجود لتكون حالة نظامية أو قل نحن من أطلقنا عليها النظام وسط عالم ملئ بالفوضوية والعشوائية .

- كل موسيقى الدنيا من سبع نغمات وكل لوحات العالم من 6 ألوان .. يكون التنوع والغزارة فى الإنتاج من عملية مصفوفات وتشكيلات وتوافيق لهذه الأنغام والألوان فهل فهمنا ما هى الحياة ؟ -هى تشكيلات وتنوعات عشوائية أنتجت اشياء متباينة أوجدنا لها معنى بينما مفرداتها ليست بذات معنى ثم نقنن هذه المشاهد كمعايير ولنضيف انه يستحيل ان تتطابق نغمة مع نغمة فى الكون !!!
نعم الوجود عشوائى ومهما تحايلنا عليه فلن تتطابق نغمتين أو لونين أبدا لأن كل نغمة ولون تواجد فى وسط مادى زمكانى يستحيل معه التطابق .

- نعم الطبيعة تنثر أحرفها فى الهواء بعشوائية ليكون الإنسان هو الجامع لهذه الحروف ليخلق منها صيغة يعتبرها نظام .. أى يخلق معنى من مجموعة صور ومشاهد يعطى لها معنى من ذاته ليخلق نظام من فوضى .

- نحن نتكون من تخصيب بويضة أنثوية بواسطة حيوان منوى واحد وسط ملايين من الحيوانات المنوية كحالة من الصدفة والعشوائية المفرطة .فإذا تبدل الحيوان المخصب بحيوان منوى أخر من هذه الملايين, فإننا أمام صور أخرى من أنفسنا غيرالصورة الحالية . عندما نضع عملية التخصيب فى وضعية زمانية مكانية ستعطينا ملايين الحالات المختلفة بمعنى أن وجودى من عملية التخصيب تلك سيأتى بنتائج مختلفة حسب الجغرافيا والمكان الذى إحتضن التخصيب فمثلا فى الهند غير مصر غير رواندا غير كولومبيا .كذلك لو حدث التخصيب فى زمن الأغريق غير حدوثه فى عصرحجرى أو عصر بابلى أو عصر حديث ففى كل حالة سنحمل موروث جينى ثقافى إجتماعى قيمى شديد الإختلاف والتباين حسب حظ عملية التخصيب وزمانها ومكانها من الجغرافيا ..سنحمل موروثات ومعتقدات ورؤى وأمزجة شديدة التباين حسب عشوائية عملية التخصيب .. لى مقولة قد تفيد فى هذا المقام " الإيمان هو نتاج عملية تخصيب بويضة ما بحيوان منوى ما ..تم فى زمان ما ..وفى مكان ما ".

- عندما نستعرض حياتنا المعيشية التى نراها منظمة فإننا نكون واهمون أيضا فمهما تشابه نظام يومنا الإعتيادى ليومنا فلن يتطابق مع يوم الأمس أو يوم الغد لأننا ببساطة نكون مررنا على الزمان والمكان بكل تغيراتهما وتبادلاتهما ..فالماء لا يمر فى النهر مرتين .
الأدهى أن الحدث الذى نراه نظامى كذهابنا للعمل كل يوم هو حدث واحد من آلاف الإحتمالات المَفتوحة والمُقترضة ولا يوجد أى فرضية فيها مستحيلة .
بداية لن يكون ذهابنا للعمل بشكل نظامى متطابق دوما فى كل مرة فسنقابل وجوه مختلفة فى كل مرة وظروف مناخية مختلفة أيضا وأشياء كثيرة وعلى مقولة أبى : عليك أن تحمد الله أنك تذهب إلى كليتك فلم يسقط حجراً على رأسك أو سيارة تصعد الرصيف لتدهسك أو ...أو .. بالفعل أبى محق فى فكرة الإحتمالات المفتوحة التى ممكن أن تواجه المرء وغير محق فى فكرة إلهه الأسطوري الحامى ..محق لأننى لو تركت لعقلى بعض الحرية فى تصور سيناريوهات ممكن أن تواجهنى فى مسيرة يومى المعتادة سأجد أننى أعيش حالة متفردة وسط مئات الإحتمالات المفتوحة والتى من الممكن أن تتحقق بسهولة لتحيل يومى ألم وشقاء .

-عندما نمر فى مسيرة يومنا المعتادة فلا يستوقفنا أن نفكر فى كل لحظة عن سيناريوهات مختلفة لتلك اللحظة والتى من الممكن ان تتحقق أيضا لأننا ببساطة تعنيننا اللحظة التى نأملها ونستأنسها ونجاهد لتحقيقها ,أما حال إختلاف السيناريو المعتاد فهنا نقول أننا تعرضنا لصدفة أو قدر بأن يقع حجر فوق رؤوسنا أو تصدمنا سيارة مسرعة .
أى حدث سيقبل بجواره مئات الحوادث الأخرى ولكننا من الصعوبة بمكان أن نعيش فى العالم بهذه الصورة بأن نكون فى حالة توجس لمئات السيناريوهات المختلفة فى كل لحظة فبلاشك سنصاب بالجنون فبمجرد التعايش مع عدة احتمالات قليلة يصيب المرء بما يعرف بمرض الوسواس القهرى ليكون كل نضالنا فى الحياة ألا نتعثر فى مشهد غير ما نتمناه فى سيناريوهاتنا المبتغاة .

- نحن نختار لحظات معينة فى الحياة التى تتوافق مع رغباتنا وتلبى أماننا ولذتنا ونعتبر هذه اللحظة نظام أو مقياس ويكون أى حدث يخالفها من حيث أنه يوقعنا فى حبائل الألم والعبثية سيكون هنا صدفة وعشوائية غير مطلوبة أو بتعبير المؤمنين قضاءاً وقدراً ومن هنا خلقنا الآلهة لتحفظ السيناريوهات المأمولة لذا يقولون عنه الستار.

- نحن نبحث عن معنى للمشاهد الوجودية ليتكون وعينا وثقافتنا ولكننا نمارس شئ غريب وهو الإنفصال عن المعانى التى أسقطناها على المشاهد لتصبح المعانى مستقلة بذاتها فى بروج عاجية ومن هنا ننسج اوهامنا .

- الطبيعة يستحيل أن تنتج صور ومشاهد متطابقة فلا صدفة ولا يحزنون لتعطى لنا نتائج متطابقة ولنا فى بصمات الأصابع مشهد يؤكد ذلك ,ولكن عقلية الإنسان تأمل إختلاق حالة نظامية من عشوائية تجعله يستثمر إختلاف البصمات فى التعرف على الهويات ليخلق معنى وغاية من هذا التباين ,فهكذا الإنسان فى تعامله مع العشوائية فهو يتحايل ليخلق من الفوضى نظام ,فالعشوائية وعدم التطابق قائم أولا غير معنى بشئ ليقوم الإنسان بإستثمار تلك العشوائية وإستغلالها والتعايش معها

- انظر الدقة فى التصميم عندما نجد للإنسان خمسة أصابع فى كل يد – لم نسأل أنفسنا..هل اكتشاف الحكمة جاءت قبل معرفة وجود الأصابع الخمسة أم ان عظمة التصميم جاء بعد أن وجدنا خمسة أصابع فى يدنا أى لو كانت ستة اصابع فى يدنا ألا نقول بعظمة التصميم أيضاً !– نحن من نقيم المشهد لنبحث عن معنى لموجودات بينما هى تلائمت مع ظرفها المادى – هذا سر نظرتنا المغلوطة للحياة والوجود اننا نُقيم الاشياء ثم ننسى اننا من قيمناها ووضعنا لها قانون لنسقط نظرتنا الباحثة عن معنى على الاشياء لننتج معنى مُفترض ثم يحدث شئ أخطر عند إنفصال المعنى والقيمة عن الشئ لنتصور انها ذات وجود مستقل لنفتح افواهنا بإنبهار .

- نحن نتكيف مما متاح من عشوائية وليست الأمور فى نظام يبحث عنا فعندما يقول أحد المبهورين الا تعلم أن لو اختلت الجاذبية الارضية بمعدل ثانية على المتر المربع لتخبطت الحياة على الارض و المحيطات و كثرت الزلازل و البراكين وطار الانسان فى الهواء الخ...بالرغم من عدم دقة هذا الكلام و لكن من يتفوه به وضع العربة أمام الحصان فنسى أن وزن الانسان هو ماجاء ليطابق وضع الجاذبية وليست الجاذبية جاءت لتتوافق مع الإنسان فلو كانت قيمة العجلة مختلفة لأختلف الوزن ولولا هذا الإنسجام ماكان له وجود ليسأل . .إشكالية هذا التفكير انه إعتبر ان هناك غاية من الظرف المادى بينما هو توفر هكذا وسط ملايين الظروف التى لم تتوفر لننسجم معها .

- من الأهمية بمكان أن ندرك فلسفة الحياة والوجود كما هى ,فالحياة ليست لها خطة أو تصميم ولا هدف أو معنى متأصل فلن تجد مشهد وجودى يحتوى على معنى أو غاية فى ذاته لنتغاضي عن هذه الحقيقة برؤيتنا المغلوطة عن الطبيعة التى تتشبع بفهم ميتافزيقى لتمتد حتى فى فهم الوجود المادى وعباراتنا العلمية فعندما نقول بأن الطبيعة تمارس الإنتخاب الطبيعى لنتصور أن الطبيعة تمارس عملية فرز وإنتقاء للموجودات الحية لتنتخب الصالح والقوى .
الطبيعة ليست لها عقل أو تحكم فى العمليات الحيوية لتنتخب هذا وتترك ذاك بل هى قدرة الكائنات التوافق مع مادية الطبيعة فمن توفر له الظروف المادية للتواجد والإعاشة استمر وبقى ومن لم ينسجم مع مادية الطبيعة ليعيش ويتكاثر اندثر . الطبيعة لا تعتنى ولا تعى لمن بقى ولمن إندثر فالآلية العشوائية للاختيار الطبيعي تحول دون أي احتمالية للتخطيط والتصميم، لذا فإن فكرة الهدف والتخطيط تصبح شئ زائد عن الطبيعة فلا قيمة لها ولا معنى , فهو عالم عشوائى بلا تخطيط وبلا هدف فلا يمكن أن تكون هناك تساؤلات عن المعنى. فالسؤال "لماذا" ليس صحيحاً عندما يستلزم الجواب المُراد منه غايةً أو هدفاً .

- الطبيعة لاتبحث عن معنى، فالمعنى مفهوم واعي لكيان واع ضمن منظومة ثقافية انسانية عاقلة بينما الطبيعة هي وجود مادى نبحث له نحن عن معنى يتوافق مع أسقف وآفاق إحساسنا ومشاعرنا وإنطباعاتنا لينتج تساؤلات ومعرفة . الطبيعة ليست لديها تساؤلات وبالتالي لاتحتاج الى معاني.

- كل صراعنا الشرس وحروبنا وأحلامنا وأمانينا وحضارتنا وخططنا المستقبلية تتبدد مع فناء الأرض عند إرتطام نيزك ضخم بها وليضيع كل شئ ..نحن نعيش اللحظة ونتصور أنها الأمان ونتوهم أن كل هذا الوجود جاء من أجل سواد عيوننا مستقرا ً آمنا ً مرتبا ً بينما نحن لحظة هدوء فى عشوائية الوجود الغير مَعنى ولا المُعتنى ولا المُهتم فكوكبنا تعرض لمآسى فى بداية تشكيله ليكون بقاءه مرهون بحظه من الكوارث العشوائية وقدرته على تحملها و ستندثر الأرض فى يوما ما ويظل الكون والوجود دون أن يكترث أو يهتم بما آلت له الأرض كما كان هناك وجود قائما ً قبل أن تظهر الأرض .

- الحياة كلها عبارة عن لحظات غير متكررة وعشوائية وكل حدث فيها جاء كإحتمالية من بطن حبلى بمئات وألاف وملايين الإحتمالات لا تستوقفنا إلا إذا أصابتنا بالألم . ولكى نتحملها خلقنا فكرة إله ترسم صورنا وحظوظنا .

دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

الاميبا اكلة الدماغ.

الأميبا آكلة الدماغ هي أحد الطفيليات النادرة التي تدخل إلى المخ عن طريق الأنف وتستهلك خلاياهوقد أصيبت بها فتاة ذات
......المزيد

في نقد إيديولوجيا الأجيال الميتافيزيقية* في الخطاب الفلسفي/والثقافي أو إشكالية استرداد الحق الابستمولوجي المهدور

- قراءة نقدية في الحوار المعرفي مع الأستاذ د.حسن ناظم اعتقد أن الأستاذ الدكتور حسن ناظم، قد سلطّ الضوء في
......المزيد

وجود عشوائى-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان .

- نحن نتصور ونتوهم بأن هناك نظام ما يحكم الوجود ليرتبه ويقدره ويغمره بحكمته وتدبيره حيث كل الأمور تحت السيطرة
......المزيد

أكرام الضيف والتطور الحضاري

من الصفات الثابتة عند العرب في قديم الزمان وحاضره ، اكرام الضيف والقيام بقضاء حاجته قدر الامكان ، وان كلفهم
......المزيد

فلسفة الضحك

يسير الضحك مع البهجة جنبا إلى جنب، يحاول الفرد الإنساني من خلال ابتسامته أو قهقهته التعبير عن مقتضاه، و يعبرُ
......المزيد

سوسيولوجيا التصوف الشعبي المغربي:نظرات في قضايا المدنس

يعتبر التصوف الشعبي في المغرب مجالا خصبا للدراسة والتحليل رغم ما كتب وألف عنه،وهو رقعة شاسعة لا يمكن لمها بشكل
......المزيد

فـن الـتـعـامـل مـع ذوي الـطـبـاع الـصـعـبـة

1- العدواني إن الشخص العدواني دائمًا يجعل سلاحه سلاح تحدٍّ وتصويب وغضب، وهذا هو ذروة الضغط والسلوك العدواني.
......المزيد

تجربة علمية لتحديد قوة الرياح

إكتشف الإنسان طاقة الرياح منذ زمن بعيد ، فقد استفاد من هذه الطاقة في تسيير السفن و المراكب في البحار
......المزيد