أسئلة في البعد السياسي لمعادلة التظاهر والاصلاح في حكومة العبادي
ان التظاهر في ابسط معانيه ، ومن حيث المبدأ ، هو حق من حقوق التعبير عن الرأي والاخير (الرأي) يعرض ولا يفرض . وهذا الحق اذا كان مضمون دستوريا ومنظم قانونيا وممكن مؤسساتيا سيكون حق مسموح التمتع به وممارسته وفي هذه الحالة سيكون التظاهر وسيلة لتحقيق هدف وليس هدف بحد ذاته ..اما اذا كان هذا الحق غير مضمون دستوريا ولا منظم قانونيا ولا ممكن مؤسساتيا فأن التظاهر سيكون حق غير مسموح التمتع به وممارسته وفي هذه الحالة سيكون التظاهر هدف بحد ذاته ..
ولما كان التظاهر في العراق يمثل حقا دستوريا مسموح التمتع به وممارسته فأنه وسيلة لتحقيق هدف وليس هدف بحد ذاته ..بيد ان هذه الوسيلة يتم التوسل بها لتحقيق هدف او اهداف تصب بالتالي ، في التغيير والاخير على مستويين الاول تغيير جذري والثاني تغيير اصلاحي .
والهدف المطلوب من وسيلة التظاهر في العراق هو الاصلاح..فما الاصلاح ؟ وما هي اسباب التظاهر من اجله ؟
الاصلاح تقويم اعوجاج وتصحيح مسار ..اما اسبابه فهي كثيرة تتلخص في جملة مشكلات ابرزها ( عجز خدمي – عجز تشريعي –عبث بالمال العام والامن العام – عقم انتاجي – عوق مؤسساتي – عطب معرفي وعمى بالاولويات )..
من المسؤول عن هذه المنزلقات وتلك الانحرافات والاعوجاجات ؟ انه النظام السياسي برمته زيادة على المؤثرات السلبية الخارجية الاقليمية والدولية .
والحقيقة ان مؤثرات الخارج السلبية الاقليمية والدولية ستكون مؤثرات متغولة اذا كانت مؤثرات الداخل العراقي السلبية متغولة اصلا بمعنى ادق ان قوة وتغول مؤثرات الخارج السلبي تتأتى من مؤثرات الداخل العراقي الامر الذي يجعلنا نفكر ونعمل من اجل معالجة منزلقات وانحرافات واعوجاجات مسار النظام السياسي ومسؤوليته في الاصلاح فما الذي نعينه بالنظام السياسي ؟
النظام السياسي يعني السلطات الثلاث ومؤسساتها ( التنفيذية – التشريعية – القضائية) وهي سلطات متمتعة بالشرعية من حيث القبول بالانتخابات بيد ان هذه الشرعية تحتاج الى اكتمال واستكمال ومواصلة بالمنجز لان الشرعية تقوم على ركنين ركن القبول بالانتخاب وركن تواصل القبول وعدم انقطاعه بالمنجز وهذا يعني ان استمرار شرعية هذه السلطات تتوقف على المنجز ومن هنا تأتي ضرورة الاصلاح المنشود من خلال برامج وسياسات واجراءات الاصلاح الوزاري والبرلماني وهناك ضرورة لان تقدم السلطة القضائية برامجها واجراءاتها الاصلاحية ايضا.
وبكل الاحوال فأن المطلوب استجابة النظام السياسي للمطاليب الاصلاحية فما هي الاستجابة وما هي مراحلها ؟
الاستجابة بدأت ولا نقول تحققت لانها تتوزع على مراحل خمسة متعاقبة هي مرحلة الاستماع للمطاليب ، مرحلة الوعد بالاستجابة للمطاليب مرحلة اتخاذ القرارات الاصلاحية ، مرحلة تنفيذ القرارات الاصلاحية ثم اخيرا مرحلة تلمس نتائج الاصلاح.حتى هذه اللحظة فأن الجهازين التنفيذي والتشريعي يقفان عند المرحلة الثالثة ( مرحلة اتخاذ القرارات الاصلاحية ) .. ولا ينبغي التطير من استمرار ومواصلة التظاهر لحين استكمال مراحل الاستجابة . غير ان استمرار هذه التظاهرات ينبغي ان تؤطر بالانتباهات والتنبيهات الاتية بالنسبة للمتظاهر والمستجيب معاً:-
- ان كل انجاز اصلاحي يحتاج الى ثلاثة مستلزمات هي القدرات ( المادية والبشرية) ، الحلول المدروسة ،الارادة السياسية الشجاعة . والاخيرة لم تكن حاضرة غير انها اصبحت حاضرة لان مصادر حضورها وقوتها توافرت وهي مصادر ثلاثة تتمثل بـ
- الارادة الشعبية المدنية ( المتظاهرون)
- دعم ومباركة المرجعية الدينية الحكيمة
- مصادقة ممثلي الشعب المنتخبين ( مجلس النواب)
كل ذلك يدعو المستجيب الى ضرورة الاستجابة للمطاليب وامامه فرص ذهبية للاصلاح عليه عدم التفريط بها .
- ضرورة حذر ويقظة المتظاهر والمستجيب من فقدان بوصلة التظاهر المتمثلة بـ (محاربة الفساد والارهاب معا) لان مناهضة الاصلاح تخدم الارهاب ولكن ليس من الصحيح ان بحجة اولوية مكافحة الارهاب لا تتم الاستجابة للمطاليب كذلك ليس من الصحيح انه بحجة الاستجابة للمطاليب يهمل او يتجاهل المستجيب والمتظاهر مكافحة الارهاب .
- ضرورة التذكير والتذكر لدى المتظاهر والمستجيب ان بوصلة التظاهر ( مكافحة الفساد والارهاب معا) تعقبها بوصلة الاصلاح والمتمثلة بـ ( بناء الدولة لا تدميرها وانسنة الدولة لاشيطنتها )
- ضرورة الانتباه الى ان موانع الاصلاح شرسة ومتنفذة فالخشية كل الخشية من الخبث النائم للمتضررين من الاصلاح وهم كثر سواء من الداخل او الخارج غير ان موانع الداخل العراقي امام الاصلاح هي اقوى من موانع الخارج العراقي امام الاصلاح.
- من غير الصحيح القول ان المطاليب الاصلاحية جاءت ابتداءا بفعل المرجعية الدينية الحكيمة لانها حقا جاءت ابتداءا بفعل مطاليب الارادة الشعبية المتمثلة بالمتظاهرين والمدعومة من قبل المرجعية الدينية الحكيمة علما ان الاخيرة كانت دائما مخرجاتها ناصحة وقد اصبحت هذه المرة اكثر من ناصحة فهي مخرجات داعمة للمطاليب ومنذره للمستجيب بضرورة الاستجابة .
- حذار من العدمية والاطلاقية في المطاليب لانها تؤدي الى تعجيز المستجيب ، يقابل ذلك حذار من الحلول غير المدروسة والتباطؤ في تنفيذ الحلول المدروسة على سبيل المثال من الخطأ القول ان الدولة فاسدة والصحيح القول ان هناك فساد في الدولة . ومن الخطأ القول ان الحكومة فاسدة والصحيح القول ان هناك فساد في الحكومة ، ومن الخطأ القول ان البرلمان فاسد والصحيح القول ان هناك فساد في البرلمان ، ومن الخطأ القول بأن القضاء فاسد والصحيح القول ان هناك فساد في القضاء .
- حذار من خدعة التوازن بوصفها حلا اصلاحيا لانها ليست اكثر من تقنين للمحاصصة الطائفية .والسياسية التي تتعارض مع الاوراق الاصلاحية .كذلك حذار من اعادة انتاج التنصيب بالوكالة بوصفها خطوة اصلاحية لان الاستقرار الوظيفي يحقق منجز وعدم الاستقرار الوظيفي لا يحقق بل يعرقل المنجز .
- اخيراً هناك ضرورة لاستكمال حزمة الاصلاحيات البرلمانية من خلال اضافة او ادراج قانون حرية الاجتماع والتظاهر المطلوب دستوريا حسب المادة 38 والعمل من اجل تشريع قانون يجرم الطائفية ويحرمها دينيا ويؤثمها شعبيا وسن قانون انتخابات حرة وعادلة ونزيهة واعادة تشكيل مفوضية مستقلة فعلا لادارة الانتخابات تحت اشراف قضائي .
• انطلقت مركبة الاصلاح ولا تراجع عن مسارها ان كانت تتقدم او تراوح بيد ان الخشية كل الخشية من فقدان المصلح لوقودها النقي ( المتظاهرون من ابناء كل الشعب ) وخسارته لداعمها الحقيقي ( المرجعية الدينية الرشيدة ) فالاثنين معا يشكلان القاعدة الشجاعة للحكم الصالح .
• ولقلة سالكيه من الحكام لا لقلة طالبيه من الشعب فأن طريق الاصلاح ، كما هو طريق الحق ، طريقا وعرا يحتاج الى ارادة قيادة صالحة من جهة ودعم قاعدة شجاعة من جهة اخرى ، فأذا كان لحركة الاصلاح رأس صالح فهذا الرأس الصالح بحاجة الى جسد شجاع ، وان شرعية الحكم الصالح لم تعد في عالم اليوم وغدا ، قاصرة على ركن القبول بالانتخابات فقط بل تحتاج الى البقاء والاستمرار والديمومة اعتمادا على ركن المنجزات ايضا .
• ان مطالب المتظاهرين تتمثل بتقديم الخدمات ومحاربة الفساد ودحر الارهاب والجريمة ، وان هدف الاصلاح يتمثل ببناء الدولة لا تدميرها وانسنتها لا شيطنتها . وفي سياق الاستجابة لمطاليب المتظاهرين فأن الامر لا يحتاج الى تفويض من احد غير الدستور والاخير لا يقف حائلا امام رئيس مجلس الوزراء بسماع هذه المطاليب واتخاذ قرارات اصلاحية وتنفيذها لسد العجز في الخدمات ومحاربة العابثين بالامن العام والمال العام من ارهابيين وفاسدين
اما في سياق بناء الدولة وانسنتها فأن مجلس النواب مسؤول مسؤولية مباشرة عن سد العوز التشريعي من خلال سن القوانين الاساسية لبناء الدولة ومراقبة تنفيذها ، كما ان السلطة القضائية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن حسن تطبيق القانون بلا تردد وبلا خوف وبلا تباطؤ وبأستقلالية تامة . وهكذا فأن الاصلاح الحقيقي يحتاج من السلطة التنفيذية حُزم من القرارات الاصلاحية وحَزم في تنفيذها ،ويحتاج من السلطة التشريعية حُزم من القوانين الدستورية وحَزم في مراقبة تنفيذها ويحتاج من السلطة القضائية حُزم من اجراءات لاصلاح ذاتها وحَزم في تطبيقها .
• ان من يطالب بضبط ايقاع التظاهرات والمتظاهرين عليه ان يضبط ايقاع الاصلاحات وترتيب اولوياتها . فمثلما ان اولويات المتظاهرين معلومة وشفافة فأن اولوليات الاصلاح ينبغي ان تكون معلومة وشفافة في اتخاذ القرار الاصلاحي وتنفيذه وتلمس نتائجه .
• ان الحاكم الصالح لا يطالب المواطن ان يكون مساندا فقط لقراراته حتى لو كانت صالحة ، بل يطالب من المواطن ان يكون شريكا مشاركا في صناعة قراراته ، ودون ذلك فأن المواطن اما ان يكون معارضا او يكون خاضعا وفي الحالتين سوف لا يكسب المصلح الا المتشفين بفشله والمتطيرين من اصلاح احوال الناس.
• ان الاصلاح لا يتم بما هو مقرر فحسب ، بل بما هو متحقق ايضا وعلى المصلح ان يظل بحاجة الى متظاهر يسانده بالمتحقق ويطالبه بغير المتحقق من قراراته .
• يدرك كل عاقل انه ليس بحجة المطالب المشروعة للمتظاهرين تتوقف المخاوف المشروعة للمصلحين ( مثل المخاوف من تمدد الارهاب وشراسة الفاسدين) وفي الوقت ذاته يدرك كل عاقل ايضا انه ليس بحجة المخاوف المشروعة تتوقف التظاهرات ، لان معركة الاصلاح هي معركة تحرير وتغيير معا.
• الاصلاح ليس الهوس في تقديم وعرض قرارات حُزم اصلاحية ، بل في المتحقق مما هو مقرر في هذه الحُزم. فنسمة من اصلاحات متحققة خير من حزمة اصلاحات غير متحققة .
أ.د. عامر حسن فياض
عميد كلية العلوم السياسية / جامعة النهرين