متلازمة تكميم الأفواه والشعارات الديمقراطية
وبفضل القصدية في غياب الكثير من القوانين وايقاف تشريعها لدعم استمرار الفوضى، كان تعطيل قانون المحكمة الاتحادية مثلا، سبيلا لتكريس التجاوزات على الدستور، فكانت التوافقية غير الدستورية ملاذا لنمو الكائنات الطارئة على السياسة وتكاثرها في ظل المحاصصة الطائفية التي نسفت ما يبرر العمل بالأدوات الديمقراطية وفي مقدمتها نتائج الانتخابات، وأسست لغياب العدالة في ظل التخندقات وصولا للاطاحة بمفهوم الحريات العامة في ظل الاستقواء بالحزب والطائفة، فيما كان العقل الجمعي أسيرا لفوبيا الإرهــ.ــ١ب، يتبعه السلوك الفردي بجوار الحائط الديمقراطي الذي توزعت عليه شعارات الاستبد١د وهي تلبس حلة الحرية، فكانت الفضائيات وهي تتمتع بالحرية المنفلتة، تبث سمومها في انتهاكــ١ت صارخة ومتكررة لروح الديمقراطية مستغلة حق الرأي والرأي الآخر عبر التدليس والتدوير ولي أعناق الحقائق، مستبيحة جوهر الحرية التي ترتكز على ضمان حرية الآخر وحقوق الانسان، فيتحول القاتل الى مناضل، والارهــ.ـــ١بي الى ناشط مدني، فيما يكون تقطيع أوصال الأبرياء بالسيارات المفخــ-ـــخة يوميا محض خبر عابر.
لقد منحت الديمقراطية التوافقية حصانة لأنصار الفساد والاستبداد ودعاة تكميم الأفواه، اذ فرضت شكلها القمــ-ـــيء على المشهد فتكرست عنها التحاصصية بالتزامن مع نضوج رساميل امبراطوريات الفســــ١د التي هيمنت على التشكيلات المؤسسية في شكل الدولة الفاشلة بدعوى التوافقية، ومع ظهور ملامح الدولة الفــــ١شلة التي أسس لها الاحتلال منذ الأيام الأولى لوجود الحاكم المدني "بول بريمر" ومرورا بتطبيقات نظرية "صدمة التحول" التي وضعها الاقتصادي الأمريكي "ميلتون فريدمان" بهدف تدجين شعوب الدول الرعوية العاملة بنظام اقتصاد الدولة، وصولا للقبول بالحلول الجاهزة بعد تيه وتخبط وفشل، حتى وصلنا الى مرحلة نشوء سلطة المال بعد التسليم بوجود الامبراطوريات التي صنعها التطاول على المال العام والاعتراف بوجودها مرورا نحو التمهيد لتشكيلات الدولة الليبرالية التي ستحكمها شركات العولمة جراء الحاجة الماسة للاستثمار الأجنبي.
كان العمل على تدجين الانسان والتشكيلات المجتمعية ومؤسسات دولة يراد لها أن تخصخص جميع وظائفها لتترك لرساميل العولمة مسؤولية ادارة شؤون هذه البلاد، ولم يتبق من الرغبة في الجنوح الى الدولة الديمقراطية سوى رغبة التفوق على الآخر والعلوية الفارغة التي خلفتها ثقافة الصحراء في الفرد والجماعة، بعد أن فعلت أدوات العولمة الثقافية فعلتها في بيئة أبرز مقوماتها الفساد والأنانية، اذ روّضت العقل الجمعي، وقدمت أجيال ما بعد الاحتلال وهم يتطاولون على الأملاك العامة والخاصة بدعوى الاحتجاج، وعلى المارة وموظفي مؤسسات الدولة بدعوى العصيان المدني في وقت يرفعون فيه شعارات تطالب بالحقوق والحريات، وكأنهم يمهدون الى ديمقراطية رأس المال التي تمسك بأدوات التفوق لصالح أصحاب المال والنفوذ في ظل شركات العولمة، وتترك للفقراء حق التصويت.
من هنا كانت متلازمة تكميم الأفواه وقمع الرأي الآخر، التي تصاحب شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان، والتي بدت واضحة في تظاهرات واحتجاجات تشرين 2019 وما تلاها والتي شهدت ظواهر غير مسبوقة في الاحتجاجات السلمية على مدار سنوات، وهذه الظواهر غير المسبوقة انسحبت حتى على الحكومة التي جاءت بفعل التظاهرات، اذ لم نسمع من قبل خبر مقاضاة الحكومة لأصحاب الرأي.