محاولة لفهم مليار وأربعمائة مليون إنسان..!
وبصرف النظر عن موقفنا الثابت من الأيديولوجيا الشيوعية، التي لها موقف سلبي من الإيمان، خصوصا بتطبيقها العراقي السيء جدا، حيث أعلن عداءه للإيمان على طول الخط، فإنه ومنذ ذلك التأريخ بدأت مسيرة جديدة في الصين، قُيِّضَ لها أن تلعب دورا مهما في تأريخ الصين والعالم.
ماذا حدث خلال هذه المائة عام، كمقطع فريد من مقاطع التأريخ في بلاد السور العظيم، ومنطلق طريق الحرير التأريخي؟!
إذا قرأنا جيدا امتزاج عوامل متعددة، ترتبط بالصين ذاتها كواحد من أعرق البلدان التي صنعت التأريخ، وبين تقاليد الشعب الصيني وتراثه المعرفي والثقافي الثري، وبين الصفات الشخصية للصينيين، وبالتقاليد الجديدة،. سنستطيع فهم ما حدث وما هو منتظر أن يحدث في قادم السنين.
إنه شيء كبير ليس في صالح الصينيين وحدهم، بل في صالح الإنسانية كلها، ومع الأخذ بنظر الاعتبار؛ أن الصينيين ليس لديهم تراث استعماري عدائي مع الشعوب، سواء البعيدة أو المجاورة، فضلا عن توفر بلادهم على إمكانيات طبيعية وبشرية هائلة ، الأمر الذي يفتح باب الأمل لشعوب كثيرة، ومنها شعوب منطقة غرب آسيا التي ينتمي العراق إليها، والتي عانت كثيرا من مرارة العلاقات اللامتكافئة؛ مع أمم أخرى اعتدت عليها واحتلتها واستعمرتها واستنزفت ثرواتها، وزجتها في أتون حروب واضطرابات مستمرة؛ بأن تنفتح على التجربة الصينية الناجحة.
الصين خلية النحل الآسيوية، استطاعت أن تخلق تجربة فريدة من نوعها ووسائلها وأدواتها وقيمها، أنتجت نظاما للعيش الكريم للشعب الصيني، أخرج شعب المليار وأربعمائة إنسان من الفقر إلى الأبد، وكان للمراجعة المستمرة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والحكومية، أثرٌ كبير في أن تسير قاطرة البناء على المسار الصحيح، خصوصا مع انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح خلال العشرين سنة المنصرمة، مع تركيزها على التنمية كمنطلق لمحاربة الفقر والبطالة والفساد وتحسين جودة الحياة لشعبها.
مع خروج الصين من الانغلاق العقائدي، وانتهاج مسارات الرؤية المستقبلية المبنية على الحداثة، ومواكبة وضخ روح العصر في النظرية السياسية المتبناة من قبل الدولة الصينية، انعكست هذه التطورات بصورة إيجابية، على اقتصاد الصين ومكانتها بين الأمم، وتحولت الصين إلى قوة عالمية كبرى، تقف بنِدِّيَّة مع القوى الكبرى الأخرى، واستعادة الصين موقعها في المنظومة الدولية، ومقعدها الدائم في الأمم المتحدة، وهو حدث مفصلي يمثل انعطافة عالمية كبرى، وإيذانا بتشكل نظام دولي جديد، حيث تقف الصين على رأس أحد زواياه المهمة، وبدأ عداد أفول القوى الاستكبارية بالعد التنازلي، فيما بدأ العد التصاعدي لقوى المستضعفين الذين تنتمي الصين إليهم بشكل حقيقي .
ثمة سر مهم جدا فيما حدث، إذ إن التجربة الصينية؛ استطاعت أن تستوعب ظروف الصين ومكنونات شعبها بحكمة بالغة، ونجحت في صناعة ميكانيزمات التوازن، بين التقاليد والأفكار المتبناة برغم ظاهرها المتزمت الصارم، وبين متطلبات الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي، وانتهاج سياسات داخلية وخارجية معتدلة، وتم تصميم نظام حكم يعرف فيه الحاكم والمحكوم واجباته ومهامه وصلاحياته بدقة، وكل ذلك ضمن مصلحة أمة المليار وأربعمائة مليون إنسان!
اللافت في الأمر أن التطور التقني في الصين بات هو العنوان الأبرز، وفي الصين ثمة شيء جديد مدهش في كل ثانية، الأمر الذي أدخل الصين في موقع مميز لم يدخله أحد قبلها، إنه عصر الصين بكل جدارة.
لقد باتت الصين قوة متفردة وفي مختلف المجالات، وهي بفضل العقول التي تقودها، تتفوق في كل شيء تقريبا، وبمنافسة شريفة مع الآخرين في جميع المجالات الجيوستراتيجية، كالاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا المتطورة وكثير من المجالات الأخرى.
مناهج التطوير والتجديد، وعمليات ضخ دماء الحداثة في كافة مجالات الحياة، قائمة على قدم وساق وتجري بشكل سلس، وأهداف التصدي للفساد الداخلي، تتحقق في كل دقيقة، ومعالجة المعوقات والصعوبات منهج عمل يومي، ولا شيء مستحيل في الصين.
كلام قبل السلام : تطورت الصين بصمت، ولم تلجأ إلى استعباد الشعوب الأخرى أو النيل من كرامتها، أو الاعتداء عليها مثلما يفعل خصمها الأمريكي، وفي الصين أنظمة إدارية ومالية واقتصادية مرسومة بعناية فائقة، وثمة نظام راقٍ للمحاسبة الذاتية، من خلال محاربة الفساد بالمراجعة والإصلاح.
سلام..