الاسلام وتنمية الموارد البشرية
وعلى الرغم من حداثة استخدام المفهوم فان فكرة التنمية البشرية ليست حادثة على الانسان
بل تمتد بامتداد الوجود الانساني ذاته ، فالسعي للتنمية والتطور والنّماء ملازم لمسيرة
الانسان في حياته ، وشكّل احدى الوسائل التي تطورت بها الحياة البشرية على كوكب الارض .
وقد شهدت الحياة البشرية تطوراََ في مفهوم التنمية البشرية حتى استقر على
ماوصلت اليه تقارير الامم المتحدة التي ترصد هذه التنمية منذ خمسينيات القرن الماضي .
ان تعريف التنمية البشرية يتطلب منا الاحاطة بمفهوم التنمية اولا بوصفها الاساس
الذي يتم فيه المصطلح من خلاله ، فقد تطور تعريف التنمية وتعددت رؤية الباحثين له
باختلاف مشاربهم الثقافية وتخصصاتهم واهتماماتهم ، فبعضهم كان يرى فيه الجانب الاقتصادي
وبعضهم نظر الى التنمية من جانبها الاجتماعي ، الا ان هذه التعريفات لم تصمد طويلاََ
اذ تطور التعريف سريعا ليشمل جميع جوانب الحياة الانسانية
ولذا يصعب اعطاء المفهوم تعريفاََ محدداََ ، لكن يمكننا تحديد مفهوم تنمية الموارد البشرية
بانه عملية واسعة وشاملة ومستمرة ومتعددة الجوانب لتغييرحياة الانسان وتطويرها الى الافضل .
تكريم الاسلام للانسان
لعل من المهم ان ندرك اولا طبيعة النظرة الاسلامية الى النفس الانسانية بصفة عامة
فالنفس الانسانية بصفة عامة مكرمة ومعظمة .. وهذا الامر يؤخد على اطلاقه ،
وليس فيه استثناء بسبب لون او جنس او دين ، قال تعالى في كتابه العزيز :
(وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(الاسراء/70)
وهذا التكريم عام وشامل ، وهو يلقي بضلاله على المسلمين وغير المسلمين
فالجميع يُحمل في البحر ، والجميع يُرزق من الطيبات
والجميع مُفضل على كثير من خلق االله عز وجل .
وقد انعكست هذه الرؤية الشاملة لك البشر ، وهذا التكريم لكل انسان
على كل بندِِ من بنود الشريعة الاسلامية ، ومن ثم انعكست على كل قول او فعل
لرسولنا الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) ، وهذا يفسر لنا الطريقة الراقية الفريدة الرحيمة
التي تعامل بها الرسول العظيم (صلى الله عليه واله وسلم) مع المخالفين له والمنكرين عليه .
وهو يتعامل مع نفوس بشرية مكرمة فلا يجوز اهانتها او ظلمها او التعدي على حقوقها
او التقليل من شانها .
واذا كان الانسان هو مرتكز التنمية البشرية فان الاسلام قد سبق كل الرؤى لذلك ،
اذ ان اختيار الانسان لحمل الرسالة الاسلامية جعله المحور الذي تقوم عليه
عملية البناء والتنمية والتطوير في المجتمعات الاسلامية ، فهو الحامل للامانة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله :
(انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها
واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا)(الاحزاب/72)
وهذا الحمل للامانة يقتضي استعداداََ لدى الانسان المسم لذلك ، وهو ما تتجه اليه الرؤية الاسلامية لمفهوم التنمية البشرية .
التنمية في المصادر الاسلامية
على الرغم من ان مصطلح التنمية لم يرد في المصادر الاسلامية ، فان المفهوم حملته مصادر اخرى
وردت في القران الكريم والسنة النبوية ، ومن ذلك :
1ـــ التزكية : في قوله تعالى :
((ونفس وماسواها * فالهمها فجورها وتقواها * قد افلح من زكاها * وقد خاب من دساها))
(الشمس 7/10)
قال الطبري قد افلح من زكاها) قد افلح من زكى نفسه فكثّر تطهيرها من الكفر والمعاصي
واصلحها بالصالحات من الاعمال ، وقيل :
اي طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب ورقاها بطاعة الله وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح .
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول : ( اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل
والجبن والبخل وعذاب القبر ، اللهم آتِ نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها)
وقال اللهم اني اعوذ بك من علم لاينفع ، ومن قلب لايخشع ، ومن دعوة لايستجاب لها) .
والتزكية هنا بمعنى النماء والزيادة والصلاح والطهر ، وهي المعاني التي تتضمنها التنمية بمفهومها الاسلامي
فليس المقصود هو الزيادة فقط ، بل المقصود ان تكون منه الزيادة صالحة ونافعة .
2ــ الاعمار : فقد قال تعالى :
((هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها فاستغفروا ثم توبوا اليه ان ربي قريب مجيب))
(سورة هود/61)
قيل في تفسيرها : (استعمركم فيها اي جعلكم عُمّارا تعمرونها وتستغلونها) .
وقد شرح القرطبي معنى الاعمار بقوله : (اي جعلكم عُمّارها وسكانها ، واالاستعمار طلب العمارة
والطلب المطلق من الله تعالىعلى الوجوب ، كما ان (استعمركم فيها) خلفكم لعمارتها .
ولاشك ان عمارة الارض تتطلب عنصرا فاعلا ومؤثرا وهو الانسان
اذ لايمكن ان تتم عملية الاعمار الا بإنسان قادر ومُهيأ بالايمان والعلم والمهارة
التي تمكنه من القيام بعملية الاعمار ، وهذا لب التنمية البشرية التي ترتكز على تطوير الإنسان
بجميع مكوناته النفسية والعلمية .
3 ــ التنشئة ، قال تعالى : ((هو انشأكم من الارض ))(هود/61)
وقال ايضاََ :
((فانشأنا لكم به جنات من نخيل واعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تاكلون))(المؤمنون/19)
والتنشأة تأتي بمعنى التربية والزيادة والايجاد والتنمية ، قال ابن منظور : (نشأ .. ينشأ ، ربا وشبّ وارتفع) .