نحو أمة تحب العلم

  • 01 - 02 - 2017
  • 3071
برغم ما يتلوه المسلمون من نصوص قرآنية وحديثية تحث على العلم وتبين أهميته ومكانة العلماء ووجوب توقيرهم، إلا أنها تعيش حالة غير علمية على جميع الأصعدة، حتى أصبح المنجمون وقارئو الكف والفنجان وأمثالهم أصحاب البضاعة الرائجة الذين يزدحم على أبوابهم الناس لمعرفة مستقبلهم على المستويين الشخصي والعام،

وربما لعلاجهم من الأمراض المستعصية، أو مساعدتهم في الحصول على زوج أو زوجة أو وظيفة، أو تخليصهم من الجن الذي يطيب له المقام في الأجساد العربية، ولا أعرف السر في ذلك. صار حجز موعد مع أحد الدجالين أصعب من حجز موعد مع أكبر الأخصائيين في مستشفى مايو كلينيك.

كان يمكن أن يكفينا نص قرآني واحد كي نتحول إلى أمة دأبها العلم. ففي قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً﴾ توجيه يغني عن غيره للأخذ بالعلم في كل حركة من حركاتنا أو سكنة من سكناتنا. ولكننا مع الأسف بعيدون عن العلمية، نتخبط معرفيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.

نقرأ في الكتاب العزيز: ﴿إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ﴾ و﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، ويبقى العالم الرباني في الأمة آخر المستشارين.

ونقرأ في الأحاديث والروايات الشريفة، قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): العلماء أمناء الله على خلقه/ العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا/ العلماء قادة والمتقون سادة/ فضل العالم على غيره كفضل النبي على أمته. نقرأ هذا ثم لا يكون للعالم الحقيقي المكانة التي يستحقها بيننا.

إن واحدا من أسوأ الأدواء التي تفتك بنا اليوم هو ابتعادنا عن العلم والعلمية والعلماء. لذا صار الكل يتحدث في كل شيء، وخصوصا فيما يتعلق بالشأن الديني، وكأن الدين أمر لا يخضع للتخصص، بل هو مجال مباح للنطيحة والمتردية.

من هنا نشأت حالات التكفير والتبديع والتفسيق لغياب الضوابط العلمية والمرجعية التي بها تعرف حدود المصطلحات والمفاهيم. وفي نفس السياق نفهم ما يحدث من تعاطي البعض مع النصوص الدينية دون امتلاك أدنى أدوات التعامل، فيردُّ نصا هنا، ويؤول نصا هناك، من غير أن يكلف نفسه عناء سؤال المختصين في ذلك المجال الذين أفنوا أعمارهم في التعمق في تلك النصوص ودراستها سندا ومتنا ودلالة.

لقد استشرى هذا الداء في الأمة حتى بدا عصيا على العلاج، ولكن يبقى الأمل معقودا على الأجيال الجديدة كي تأخذ بمنهج العلم فتكون قادرة على تشخيص العلماء الأبرار، ووضعهم في الموقع الذي ينبغي أن يكونوا فيه، ومنحهم الحب الذي يستحقونه.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.

بدر شبيب الشبيب

https://www.facebook.com/Bader.AlShabib


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

5 قواعد استراتيجية لإنتاج العلم والمعرفة

يمضي الطالب الجامعي ما يقارب 20 سنة في التعلّم، ما بين المدرسة والثانوية والجامعة، وأحيانًا تطول أكثر من ذلك بكثير.
......المزيد

6 رؤساء موساد سابقون: "نحن في مرحلة خطرة لمرض خبيث"

مفاضلة الحكام الصهاينة: ضياع القيم بين اللاأخلاقي والاجرامي ابدى ستة رؤساء سابقين لجهاز لموساد الصهيوني قلقهم على مستقبل الكيان الصهيوني
......المزيد

ثقافة الأشهر الثلاثة (رجب، شعبان وشهر رمضان)

تلتقي برامج التثقيف الاسلامي عند محور مركزي يمثل الدورة الثقافية السنوية الأم التي تتفرع عنها وتتماهى معها كل برامج السنة
......المزيد

الشهادة

الإمام والتحرك السياسي: لقد كابد المسلمون عموماً، والعلويون وشيعة آل البيت الويلات جراء الحكم العباسي المتغطرس، فقد قاسوا ظلم المنصور
......المزيد

إمامة الكاظم (عليه السلام): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل

إمامة "الكاظم" (ع): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل(1) لقد كانت حياة موسى بن جعفر عليه السلام المليئة بالأحداث؛ حياةً مليئةً
......المزيد

إطلالة عامة على حياة الإمام الكاظم عليه السلام

شخصية الإمام الكاظم عليه السلام: ولد أبو الحسن موسى عليه السلام في الأبواء بين مكة والمدينة في يوم الأحد السابع
......المزيد

رؤية الإمام قدس سره في خصوص تنصيب الولي الفقيه

يظهر من بعض الكتابات الفقهيّة للإمام أنّ الوليّ الفقيه يتمّ تنصيبه من قِبَلِ الشارع المقدّس. حيث يعتقد الإمام أنّ الولاية
......المزيد

الجمع بين رؤيتي الإمام الخميني قدس سره

قد يخطر لبعضٍ، وفي الوهلة الأولى، وجود تناقض بين رؤيتي الإمام المتقدّمتَين. ومن هنا حاول بعض المحقّقين في آثار الإمام
......المزيد