الدراما الديمقراطية في اسيا

  • 01 - 02 - 2017
  • 6481
جان بيير ليمان ان الطيف السياسي في اسيا يمتد من الدكتاتورية المتوحشة في كوريا الشمالية الى الملكية الدستورية المستنيرة في بوتان (وهي مستنيرة لدرجة انها طورت مؤشر السعادة الوطنية الاجمالية كمؤشر بديل للناتج المحلي الاجمالي) مع وجود العديد من الاطياف بينهما ولكن التهمة القديمة بإن اسيا غير مناسبة للديمقراطية على الطراز الغربي هي تهمة تظهر مجددا ولكن هل المتشككين على حق؟

 

في جنوب وشرق اسيا فإن عدد الدول الديمقراطية يزيد عن عدد الدول الدكتاتورية بمعدل 17 الى 6 ولكن الدول الديمقراطية تواجه اوقاتا صعبه فلقد وصل الوضع السياسي في تايلند لطريق مسدود مع وجود مظاهرات ضخمة معادية للديمقراطية علما ان هذا الوضع قد اصبح من الاخبار العالمية الرئيسة كما جرت انتخابات عنيفة في بنغلاديش ولقد حصلت انتهاكات على نطاق واسع لحقوق الانسان في سريلانكا ولقد عانى الكمبوديون من القمع السياسي الوحشي كما ان الحياة السياسية في اكبر دولة ديمقراطية في العالم وهي الهند تمتاز بالصخب وانعدام الانضباط.

بالرغم من ذلك فإن مفهم التفرد الديمقراطي هو مفهوم خاطئ وقصير النظر من الناحية التاريخية وبالرغم من ان معظم الدول الغربية هي دول ديمقراطية حاليا فإن هذا لم يحصل الا منذ التسعينات من القرن الماضي وفقط قبل نصف قرن من الزمان كان بإمكان المرء ان يحصي الدول الديمقراطية الغربية على اصابع اليد الواحدة وحتى هذه الدول لم تكن كاملة ولو استخدمنا المقياس الأكثر أساسية في العملية الديمقراطية –المعاناة الانسانية – لوجدنا انه لا يمكن اعتبار الولايات المتحدة الامريكية كدولة ديمقراطية بحق قبل الانتصارات التي حققتها الحركات المدنية في الستينات.

بالرغم من ان بريطانيا كانت منارة للديمقراطية في القرن العشرين ، الا انها لم تقم بنشر ذلك المبدأ في امبرطوريتها والتي كانت تضم اناس ومناطق اكثر من اي قوة عالمية سابقة فلقد قامت بريطانيا بقمع الحركات المستقلة في الهند وفي الشرق الاوسط وافريقيا (بالرغم من ان العديد من اعضاء تلك الحركات قد اختاروا الحرب الى جانب بريطانيا خلال الحربين العالميتين).

ان الهولنديين كذلك لم يقوموا بنشر ديمقراطيتهم في اندونسيا كما لم تقم فرنسا بدعم انتخابات حرة وعادلة في الهند الصينية او في مستعمراتها في الشرق الأوسط وافريقيا. لقد كان البلجيكيون على وجه الخصوص متوحشين في الكونجو كما قام الاسبان والبرتغاليون بنهب امريكا اللاتينية ولم يكن الالمان افضل حالا في جنوب غرب افريقيا. ان من الجدير ذكره ان اثنتين من اكثر الايدولوجيات المرعبة على مر التاريخ وهي الفاشية والشيوعية نشأت وترعرعت في اوروبا .

ان حقيقة ان كلمة ديمقراطية مشتقة من اليونانية القديمة وان بإمكان المرء ان يجد نواة الفكر الديمقراطي في الفلسفة اليونانية لا يعني بأي حال من الاحوال ان الديمقراطية هي جزء لا يتجزأ من الحمض النووي للسياسة الغربية ففقط بعد قرون من الحكم الشمولي والمطلق والتطرف والحروب والثورات والقمع يمكن للغرب بشكل عام ان يدعي منطقيا انه حر وديمقراطي ومسالم ومزدهر وحتى الان هناك استثناءات كما ان هناك جدل ما اذا كانت هذه الديمقراطية الغربيةنتيجة او سبب للسلام والازدهار.

ان الغرب لم يكن دائما دائما اكثر منطقة تقدما من الناحية السياسية وعندما اتى المبشرون اليسوعيون للصين في القرن السابع عشر تكلموا بحماس عن كيف يمكن للاوروبيين ان يتعلموا من الفلسفة السياسية المستنيرة للصين وهي الكونفوشوسية. ولقد قام اثنان من الفلاسفة المستنيرين وهما فولتير وكانت بعمل ذلك بالضبط.

ان المفاهيم الكونفوشوسية مثل " تفويض السماء " كانت تبدو اكثر عدالة بكثير من حق الملوك الالهي في اوروبا. لقد تتبع الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد امارتيا سين منشأ الحوار الهندي الديمقراطي واكتشف انه يرجعللامبرطور البوذي اشوكا وذلك في القرن الثالث قبل الميلاد كما انه يقارن بين التسامح الديني الذي كان يدعو اليه الامبرطور المسلم اكبر في حقبة ترجع لسنة 1590 للميلاد وبين محاكم التفتيش والتي كانت تطارد الملحدين في اوروبا في الوقت نفسه .

ان افتراضاتنا عن الرخاء النسبي لأسيا والغرب يجب اعادة النظر فيه كذلك وحتى فترة قريبة تصل لمائتين سنة ماضية شكلت اسيا ما نسبته 60% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي ولكن بعد الثورة الصناعية في شمال غرب اوروبا واستعمار معظم اسيا وحروب الافيون في الصين تغيرت مواقعهم النسبيه وبحلول الخمسينات من القرن الماضي انخفضت حصة اسيا من الناتج المحلي الاجمالي الدولي الى اقل من 20%.

لقد ذكر الاقتصادي السويدي الحائز على جائزة نوبل جوار مايردل في كتابه سنة 1968 الدراما الأسيوية: تحقيق في فقر الشعوب ان كلمتي "اسيوي" و"فقير " هي كلمات مترادفة ولكن خلال العقود الثلاثة الماضية يبدو ان الرخاء الاسيوي قد اصبح في متناول اليد مرة اخرى.

بالطبع فإن من المستحيل التنبؤ كيف كان يمكن لاسيا ان تتطور لو بقيت القوى الامبريالية الغربية بعيدا حيث لا يوجد سبب يدعونا للاعتقاد ان المنطقة لم تكن لتجد طريقها للسلام والازدهار والديمقراطية. ان اسيا تقف الان اجتماعيا واقتصاديا على وجه التقريب في نفس الموقف الذي كانت تقف فيه اوروبا في بداية القرن العشرين حيث يأمل المرء ان رحلتها الديمقراطية سوف تكون اقصر واقل عنفا.

ان من الأهمية بمكان ان نذكر ان كوريا الجنوبية تسير بالفعل على هذا الدرب وبالرغم من 35 سنة من الاستعمار الياباني الوحشي وثلاث سنوات من الحرب الاهلية والدكتاتورية العسكرية ونقص الموارد الطبيعية فلقد انعتقت البلاد من الفقر المدفع لتصبح – في منطقة متقلبة- ديمقراطيه مستقره ومزدهرة ونابضة بالحياة ومن المؤكد ان جاراتها يمكن ان تسير على نفس الدرب.

ان الديمقراطية ليست منتج غربي وليست للمواطنين الغربيين فقط . ان اسيا لديها ما يكفي من الخبرة السياسية التي توحي بإنه حتى الست دول الدكتاتورية المتبقية فيها يمكن مع مرور الوقت ان تتحول لانظمة حكم اكثر عدالة مع السلام والازدهار الذي يأتي مع ذلك .

* أستاذ فخري لعلوم الاقتصاد السياسي الدولي في IMD، سويسرا، مؤسس مجموعة إيفيان، وأستاذ زائر في جامعة هونغ كونغ وجامعة NIIT في نيمرانا ولاية راجاستان.

http://www.project-syndicate.org/


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

5 قواعد استراتيجية لإنتاج العلم والمعرفة

يمضي الطالب الجامعي ما يقارب 20 سنة في التعلّم، ما بين المدرسة والثانوية والجامعة، وأحيانًا تطول أكثر من ذلك بكثير.
......المزيد

6 رؤساء موساد سابقون: "نحن في مرحلة خطرة لمرض خبيث"

مفاضلة الحكام الصهاينة: ضياع القيم بين اللاأخلاقي والاجرامي ابدى ستة رؤساء سابقين لجهاز لموساد الصهيوني قلقهم على مستقبل الكيان الصهيوني
......المزيد

ثقافة الأشهر الثلاثة (رجب، شعبان وشهر رمضان)

تلتقي برامج التثقيف الاسلامي عند محور مركزي يمثل الدورة الثقافية السنوية الأم التي تتفرع عنها وتتماهى معها كل برامج السنة
......المزيد

الشهادة

الإمام والتحرك السياسي: لقد كابد المسلمون عموماً، والعلويون وشيعة آل البيت الويلات جراء الحكم العباسي المتغطرس، فقد قاسوا ظلم المنصور
......المزيد

إمامة الكاظم (عليه السلام): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل

إمامة "الكاظم" (ع): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل(1) لقد كانت حياة موسى بن جعفر عليه السلام المليئة بالأحداث؛ حياةً مليئةً
......المزيد

إطلالة عامة على حياة الإمام الكاظم عليه السلام

شخصية الإمام الكاظم عليه السلام: ولد أبو الحسن موسى عليه السلام في الأبواء بين مكة والمدينة في يوم الأحد السابع
......المزيد

رؤية الإمام قدس سره في خصوص تنصيب الولي الفقيه

يظهر من بعض الكتابات الفقهيّة للإمام أنّ الوليّ الفقيه يتمّ تنصيبه من قِبَلِ الشارع المقدّس. حيث يعتقد الإمام أنّ الولاية
......المزيد

الجمع بين رؤيتي الإمام الخميني قدس سره

قد يخطر لبعضٍ، وفي الوهلة الأولى، وجود تناقض بين رؤيتي الإمام المتقدّمتَين. ومن هنا حاول بعض المحقّقين في آثار الإمام
......المزيد