حول منظومة الأخلاق

  • نشره :

  • 29 - 03 - 2014
  • 3062
لا يستطيع أى شخص أن ينكر أن الإنسان بفطرته وطبيعته كائن اجتماعى، يعيش ويمارس مظاهر حياته مع آخرين، كما أنه يصاب بالعطب النفسى عندما يعيش بمفرده أو ينعزل عن الآخرين أو يطول به السن دون أن يقترن بالجنس الآخر ولذا نجده دائما يسعى إلى الإلتحاق بالمنظمات والجماعات أو حتى الأسر الطلابية في الجامعات، ولا يوجد مخلوق سوي إلا وإذا كانت له مجموعة من الأقران يجمعهم نشاط ما أو مجموعة أفكار ومبادئ يسعون إلى تحقيق أنفسهم من خلالها، فالإنسان لا يحقق ذاته أو بمفهوم فلسفى أدق يتكامل إلا عن طريق التجمعات الإنسانية.
 
كما أن الإنسان عندما يسعى إلى أمر ما فهو يشعر في البدء بنقصان هذا الأمر لديه حتى وإن كانت لديه القناطير المقنطرة من الأموال طالما يشعر بداخله أنه لا يكفى أو أن اكتفائه لم يحصل فيسعى إلى استكمال هذا النقص لديه، إذن فالإنسان يعترف بالنقصان أو على الأقل بعدم كماله وحاجته دائما إلى سد النقص وكما أوضحنا يحصل هذا بالنزول إلى الساحات الاجتماعية فهو يريد أموالًا فيلجأ للعمل، يريد زادا للبيت فيلجأ للبقالة وهكذا يشخص الإنسان حاجته وكيف يلبيها ويبدأ حركته في تلك المقدمات.
 
طالما أن الإنسان سيلجأ إلى غيره لتلبية حاجاته ويستكمل فهو لابد وأنه سيحدث التزاحم حول ما سيكون مقصد الاستكمال، فليست أسماء الخلائق منقوشة على الأملاك أو الموارد أو المتاع فبالطبع سيطلب إثنان شيئًا واحدًا ويتنازعا عليه وستقوم جماعة على جماعة بالاقتتال حول أرض ما ظن كل منهما أنها ملكا له، فما الحل لتلك المعضلة؟ الحل بالطبع يكون في قانون، ميزان يحتكم إليه الناس. عادل متجرد ليس من هوى شخص ما أو فئة بعينها حتى يحقق الغاية منه، والحق أننا لن نجد موازين بتلك الصفات إلا التي جاء بها سفراء القدرة إلينا، القانون الإلهى الآتى من الحكيم العادل الكامل الذي برهنا على وجوده بالعقل المجرد.
 
نود هنا أن نتكلم بشئ يسير عن منظومة الأخلاق في الفكر الإسلامى، وقد دعت الحاجة بعد أن ضج ذوي العقل الرشيد والفطرة السليمة من تدني مستوى الأخلاق بين العديد من الفئات المجتمعية والتهتكات التي نراها في كل ساعة بالإضافة إلى انعدام المعايير والمفاهيم وابتعاد الناس عن مدارس الصالحين والعارفين إلى دجال العصر الملقب عرفًا بالإعلام.
 
استنادًا إلى الحكماء فإن الأخلاق تقع تحت حكم ما ينبغي أن يكون أو الأيدولوجية، فبعد أن توصل الإنسان في رحلته المعرفية إلى توصيف ما هو كائن وتوصل إلى مبدأ العالم بالبرهان وعلم الإله الحق تحقق لديه أن هذا الإله جامع لجميع الكمالات فيلجأ إليه مستمدًا الصفات متشبهًا به في أفعاله التي يتجلى بها الإله على الخلائق فيقسط ويحسن ويرحم، فتنطلق أيدولوجيته من رؤيته ويظهر بالتبعية على سلوكه، فالفكر الإسلامى يحتم على أتباعه أن يستمدوا أيدولوجيتهم من الله عز وجل وحتى يتحقق تمام المعاملات لابد وأن يتعرف الإنسان على خالقه.
 
لسنا هنا فى معرض المقارنة بين من ظن أن مبدأ العالم هو المادة والصدفة ومن تيقن بأن الله أوجده في هذا العالم وأفاض عليه بالوجود ، فبالحصر العقلي للمنظومة المنطلقة من هذا ستتوصل إلى المنظومة المنطلقة من ذاك.
 
في مجال استكمال الإنسان من أقرانه كما أسلفنا فهو استنادًا إلى حقيقته كجسد ونفس تعتبر حاجات الجسد كمالات وهمية وحاجات النفس كمالات حقيقيه وبلا اسهاب هذا التقسيم راجع إلى حقيقة الكمالات نفسها من حيثية الأثر والدائمية فما كان أثره يصب في صلاح النفس وارتقائها هو الكمال الحقيقى أما ما كان وقتيًا شهويًا يصب في احتياجات الجسد كان كمالًا وهميًا، المهم أن تصنيف الكمالات وأوجه سعادة اٌلإنسان بتحقيق كماله هو الفكرة الأم للمنظومة الأخلاقية في الإسلام والحقيقة أنه بلا أي استيعاب لتلك المفاهيم ولو حتى بشكل بسيط فطري فهذا يضرب المنظومي ويشوهها ويجعل منها مسخًا، فالأخلاق إن لم تكن كمالًا حقيقيًا مستمدًا من الإله الكامل ستكون كمالًا وهميًا ماديًا نفعيًا كما نرى في المجتمعات الغربية من معاملات فالذي يجتهد في عمله يود الترقي والمركز الاجتماعى ومن يحب زوجته فبسبب إنها جميلة أو أن الطلاق سيكلفه نصف ثروته وهكذا وأكثر من التشوهات التي تسربت إلى مجتماعتنا.
 
في الفكر الإسلامى المنظومة الاخلاقية مستمدة من كامل الوجود وتعدها كمالًا حقيقيًا يصب في تكامل النفس وترقيها وتهذيبها لذا عندما يتعامل الإنسان المسلم مع أقرانه فنيته تكون لله: بمعنى أنه يعاملهم بالحسنى ابتغاء مرضاة الإله والإله فقط، فالمعاملات والعبادات توحدت وجهتهما وصارت للسماء وقد يكون هذا المقصود من قوله تعالى "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين". فالرجل يطعم ضيفه مستمدًا معنى الكرم من الإله ويرغب في جزاءه والمرأه تدبر بيتها مستمدة مفهوم الرحمة والقسط والإحسان والولاية من الله وتعلم أن جهادها هذا لا جزاء له إلا رضى الله، والمسلم يصبر ابتغاء مرضاة الله عالمًا أن الله يصبر على العباد والمسلم المخلص يسلك العفاف لعلمه أنه محبب لدى الإله والعديد والعديد من الأمثلة التى لا يسع الوقت لذكرها توضح المعنى المقصود.
 
نستنبط مما سبق أنه لبناء المنظومة الأخلاقية التي تنظم المعاملات بين الناس بالعدل والحكمة بلا تدافع فلابد أن يكون مصدرها إلهى ولابد أن تندرج ضمن مناهج التربية التي ننشأ عليها شبابنا وبناتنا كما يجب أن يتعلم النشئ عن الله الكامل بالبرهان العقلي حتى يعلموه على حقيقته ويستمدوا منه الكمالات ويتوجهوا إليه بكل أفعالهم بين الرغبة والرهبة، وهذا بالطبع يجب أن يكون من خلال منظومة تعليميه تحقق للإنسان التربية والتعليم المناسبين لبناء الإنسان الفاضل.
 
وفي الختام نود التنبيه على ألا يعتبر الإخوة أن هذا أمر توفره الدولة فقط، فكما هو فرض عين على الدولة وبدونه تعتبر مقصره في حكومتها فأيضًا هذا فرض عين على كل من له الولاية على آخرين فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته أو كما قال عز وجل "وقفوهم إنهم مسئولون".


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

الاميبا اكلة الدماغ.

الأميبا آكلة الدماغ هي أحد الطفيليات النادرة التي تدخل إلى المخ عن طريق الأنف وتستهلك خلاياهوقد أصيبت بها فتاة ذات
......المزيد

في نقد إيديولوجيا الأجيال الميتافيزيقية* في الخطاب الفلسفي/والثقافي أو إشكالية استرداد الحق الابستمولوجي المهدور

- قراءة نقدية في الحوار المعرفي مع الأستاذ د.حسن ناظم اعتقد أن الأستاذ الدكتور حسن ناظم، قد سلطّ الضوء في
......المزيد

وجود عشوائى-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان .

- نحن نتصور ونتوهم بأن هناك نظام ما يحكم الوجود ليرتبه ويقدره ويغمره بحكمته وتدبيره حيث كل الأمور تحت السيطرة
......المزيد

أكرام الضيف والتطور الحضاري

من الصفات الثابتة عند العرب في قديم الزمان وحاضره ، اكرام الضيف والقيام بقضاء حاجته قدر الامكان ، وان كلفهم
......المزيد

فلسفة الضحك

يسير الضحك مع البهجة جنبا إلى جنب، يحاول الفرد الإنساني من خلال ابتسامته أو قهقهته التعبير عن مقتضاه، و يعبرُ
......المزيد

سوسيولوجيا التصوف الشعبي المغربي:نظرات في قضايا المدنس

يعتبر التصوف الشعبي في المغرب مجالا خصبا للدراسة والتحليل رغم ما كتب وألف عنه،وهو رقعة شاسعة لا يمكن لمها بشكل
......المزيد

فـن الـتـعـامـل مـع ذوي الـطـبـاع الـصـعـبـة

1- العدواني إن الشخص العدواني دائمًا يجعل سلاحه سلاح تحدٍّ وتصويب وغضب، وهذا هو ذروة الضغط والسلوك العدواني.
......المزيد

تجربة علمية لتحديد قوة الرياح

إكتشف الإنسان طاقة الرياح منذ زمن بعيد ، فقد استفاد من هذه الطاقة في تسيير السفن و المراكب في البحار
......المزيد