أنا أُقَيِّمَ نفسي
وإن كان سلبياً أحدثَ فينا حزناً قويا وإحباطا نحتاج إلى قوة تخرجنا منه، مع يقيننا أنهم لا يعرفون عنا إلا الظاهر من أمورنا، أما باطنها فغائب عنهم، والحقُّ أنَّ الناس يحكمون على الظاهر ويتعاملون فيما بينهم على أساسه، قد يتطابق تقييمهم مع الواقع وقد يخالفه، لذلك لا يَحسُنُ بنا أن ننتشي حين يكون التقييم إيجابيا ولا أن نحزن ونكتئب إن كان سلبيا، فنحن أعرف بنفوسنا من غيرنا، والله أعرف بنا منا، كما قال أمير المؤمنين عَلِيٌّ (ع) في وصفه للمتقين: " إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ"
نحن إذا أعلم بأنفسنا من غيرنا، والله أعلم بها منَّا، وهذا يعني أننا قد نُخطئ في تقييم أنفسنا وفي نظرتنا إليها، فقد نتوَهَّم أننا أهل صلاح وخير وصدق ووفاء، وقد نتوهم أن إيماننا هو أكمل الإيمان وأن التزامنا الديني لا يفوقه التزام، ويكون واقع الحال مختلفا جدا، فلا بد من وجود معيار نُقَيِّم أنفسنا على أساسه، فما هو ذلك المعيار؟
المعيار هو القرآن الكريم الناصح الذي لا يَغُشُّ، فإن كُنَّا عاملين بما أمرَ به ومنتهين عما نهى عنه، وواقفين على حدوده التي حدَّها، نُحلل حلاله ونحرم حرامه، ونعمل الصالحات، ونجتنب المعاصي والسيئات، فإيماننا كامل، ونفوسنا طيبة شريفة، ونحن من أهل الخير، وإن كنَا خلاف ذلك فعلينا أن نُعيد بناء نفوسنا من جديد على هداه.
ومن المعايير القرآنية ما ورد في الآية التالية: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ (32 فاطر).
فالآية القرآنية الكرية تُصَنِّفُ المؤمنين إلى أصناف ثلاثة:
الصِنفُ الأول: الظالم لنفسه، وهو المؤمن الذي يُفَرِّط في بعض الواجبات أو يرتكب بعض المحرمات، لأن المعصية ظلم، والظلم وضع الشيء في غير مواضعه والمؤمن موضعه الطاعة، فإذا عصى بترك الفعل الواجب أو فعل الحرام كان ظالما لنفسه.
الصِنفُ الثاني: المُقْتَصِد، وهو المؤدي للواجبات كلها والتارك للمحرمات كلها، ولا يزيد على ذلك، فلا يترك المكروهات ولا يفعل المستحبات.
الصِنْفُ الثالث: السَّابق بالخيرات، وهو الذي سبق غيرَه إلى الواجبات كلها ويضيف إليها المستحبات والتارك للمحرمات كلها والمكروهات التي يقدر على تركها، فهو مقبل على الله دائما، لا يدبر عنه يرجوه في طاعته فيما أمر ويرجوه في اجتنابه عما نهاه عنه.
ففي أي الأصناف أنت؟ حَدِّد الآن وخذ القرار المناسب، فالأمر بيدك أنت والله الموفق لك.